بدر الابراهيميلقي البعض باللائمة على مجموعة من أعضاء مجلس الأمة الذين «احترفوا» استجواب رئيس الحكومة في كل صغيرة، ويرون أن هذه الاستجوابات تنطلق من عداء واضح لشخص الشيخ ناصر ورغبة في تعطيل عمل الحكومة. ويبدو هذا التحليل منطقياً إلى حد كبير إذا ما دُقّق في عناوين الاستجوابات التي قدمها هؤلاء النواب بحق رئيس الحكومة.
فالاستجواب الأخير مثلاً الذي فجر الأمور وأدى إلى حل البرلمان، كان بخصوص هدم مصلى بحجة أنه غير مرخص. وبدلاً من مساءلة الوزير المعني واستجوابه، وهو وزير الأوقاف، قُفز مباشرة إلى رئيس الحكومة. وقد تكررت هذه الحالة سابقاً ولوّح بها بعض النواب قبل استقالة الحكومة.
هذه الاستجوابات التي أصبحت محل تندُّر في الكويت، لم تراعِ قضية التدرج في استخدام الأدوات الدستورية، وكان من الواضح أنها تستهدف شخص رئيس الحكومة ولا علاقة لها برقابة ما على عمل السلطة التنفيذية. ويبدو أن وراء هذه الكيدية أمرين أساسيين: الأول هو أن خلافات مستعرة داخل العائلة الحاكمة أدت إلى استهداف رئيس الحكومة من بعض رموز العائلة الناقمين على الوضع الحالي والساعين لتغييره بسبب ما يعتبرونه تهميشاً لجناحهم في حكم البلاد، لذلك حرّكوا بعض النواب المحسوبين عليهم لاستهداف رئيس الحكومة مباشرة بالاستجوابات.
أما الأمر الثاني، فهو أن بعض النواب السلفيين يسعون لإفشال الممارسة الديموقراطية، ويعتقدون أنه بدخولهم الندوة البرلمانية يستطيعون تعطيل المؤسسات بألعاب صبيانية، بما يدفع القيادة الكويتية إلى إنهاء العمل بالممارسة الانتخابية.
التقت مصلحة الجناح الذي يشعر بالمظلومية بمصلحة النواب المتحفّزين للانقضاض على الممارسة الديموقراطية، فأنتجت عملاً معطلاً للمؤسسات، لكن البعض يحاول التغاضي عن دور معطّل آخر للمؤسسات في الكويت، وهو دور الحكومة، الدور الذي من دونه لا يكتمل الصدام وتالياً التعطيل للعمل المؤسساتي.
فرئيس الحكومة لا يقبل بأن يقف على منصة الاستجواب، رغم أن البرلمان غير قادر على حجب الثقة عنه وعن حكومته. والواضح أن هناك توجهاً برفض وقوف الشيخ ناصر على منصة الاستجواب باعتبار أنه مرشح لولاية العهد مستقبلاً، وهو توجه غريب، وخصوصاً أن فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء كان من المفترض أن يعطي تحرراً أكبر لمنصب رئيس الوزراء وللتعاطي البرلماني معه.
إن رفض استجواب رئيس الوزراء والاستعداد للقبول بخيارات مثل استقالة الحكومة وحل البرلمان كي لا يحصل هذا الاستجواب، يطرح علامة استفهام كبيرة. والأهم أن هذا التعنت يؤدي في كل مرة إلى تعطيل العمل الحكومي، وخصوصاً في هذا الوقت الذي تواجه فيه الكويت تحديات الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى التحديات التنموية الأخرى.
كل الإجراءات التي اتّخذت حتى الآن تقدم الاستمرارية للأزمة، وتبقى الحلول في تصفية الخلافات داخل الأسرة الحاكمة وفي مزيد من «التواضع» من جانب رئيس الحكومة. لكن الأهم يبقى في إيجاد حلول طويلة الأمد تحفظ الممارسة الديموقراطية وتعمل على تطويرها.
لا يمكن الركون بعد اليوم لشعارات من قبيل «التجربة الرائدة» وغيرها. فقد بدت هذه الشعارات أقرب إلى المفاخرة التاريخية منها إلى الحديث الواقعي، والسبب هو أن التجربة الرائدة لم تتطور كثيراً بما يحفظ ريادتها، بل تعرضت لخضات عديدة أدت إلى فقدانها الكثير من بريقها.
والمطلوب اليوم هو إرساء أسس ديموقراطية حقيقية في الكويت، يُسمح من خلالها بإنشاء أحزاب سياسية وزيادة عدد مقاعد البرلمان وتوسيع صلاحياته، وإعطاء الفرصة للكتل النيابية الكبيرة للمشاركة في تحمل المسؤولية في السلطة التنفيذية كما في الديموقراطيات البرلمانية، لتجري من خلال هذه المشاركة المحاسبة الشعبية لهؤلاء المنتخبين. وحتى رئاسة الحكومة يمكن أن تكون في عهدة مواطن من خارج الأسرة منعاً للإحراج، وخصوصاً أنها فُصلت عن ولاية العهد، وهو ما سيساعد على حركة أفضل في البلاد ويجنبها هذه الأزمات المتلاحقة، كما سيكون تعزيزاً للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار.
نشبت الأزمة بسبب تعنّت متبادل، لكن الكرة اليوم في ملعب القيادة الكويتية، وهي قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة تعالج جذور المشكلة وتعطي الفرصة للكويتيين ليعيشوا حياة ديموقراطية حقيقية بعيداً عن العراك الذي أضر بمصالحهم. فالمسألة ليست مسألة الانتخابات المقبلة ونتائجها، بقدر ما هي مسألة القيام بخطوات تعطي الكويت ريادةً عملية على الصعيد الديموقراطي، وتعفي الكويتيين من صداع لازمهم طويلاً.

* كاتب سعودي