سماء لبنان «عنق زجاجة» تمر منها ملايين الطيور التي تتجه شتاءً من أوروبا إلى أفريقيا وتعود في الربيع على الطريق نفسها. لكن، ماذا لو قرر سرب من هذه الطيور أن يحط ذات مساء على أرض لبنان؟ عندها يصبح مفهوماً أن يقلق المجلس العالمي للطيور، ومعه عدد من الجمعيات الأهلية التي حدّدت عدداً من المناطق البنانية المهمة للطيور المقيمة والمهاجرة وقررت حمايتها من عبث الصيادين
بسام القنطار
تشهد سماء لبنان، في مثل هذه الأيام، «زحمة سير» غير عادية، حيث يقدّر عدد الطيور المهاجرة في المجال الجوي اللبناني بحوالى مليار طائر، تهبط أعداد كبيرة منها على الأرض اللبنانية إذا صودف مرورها عند مغيب الشمس، الأمر الذي يجعلها عرضة للصيد الجائر، وخصوصاً في مناطق جبل لبنان، وتحديداً في منطقة وادي نهر بيروت الممتدة من قناطر زبيدة وصولاً إلى فالوغا.
ويعاني وادي نهر بيروت، إضافةً إلى الكثافة السكّانية الكبيرة، غياب أي نوع من الحماية، رغم تصنيفه واحداً من 15 منطقة مهمة للطيور في لبنان، بحسب المشروع العلمي الذي نفذته جمعية حماية الطبيعة في لبنان ومؤسسة آروشا ـــ لبنان وعرضت نتائجه، أمس، في القاعة الخضراء في وزارة البيئة.
الحدث الذي يعدّ فائق الأهمية، نظراً لرصانته العملية، غاب عنه الوزير طوني كرم، الذي كان مشغولاً مع الوزير وائل أبو فاعور في حملة تشجير في منطقتي البقاع الغربي لم يغب عنها الطابع الانتخابي. أما المدير العام للوزارة بيرج هاتجيان، فلم يُعرف سبب غيابه، واقتصر تمثيل الوزارة على الموظفة في دائرة المحافظة على الثروة الطبيعية رشا كنج.
وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع نحو ربع مليون دولار، قدمتها مؤسسة «مافا ترست» العالمية، ونُفّذ على امتداد ثلاث سنوات.
ولقد سجل عام 1994 إدراج المجلس العالمي للطيور أربع مناطق في لبنان مناطق مهمة للطيور. وتشمل هذه المناطق: محميّة حرش إهدن الطبيعية، محمية جزر النخيل الطبيعية، مستنقع عمّيق، ومحمية أرز الشوف الطبيعية. وتشرف على المحميات جمعيات أهلية تخضع لوصاية وزارة البيئة، وتعدّ الأماكن الأمثل لحماية الطيور في لبنان، لكونها مناطق يُمنع دخول الصيادين إليها.
وبحسب المدير العام لجمعية حماية الطبيعة، أسعد سرحال، فإن المشروع عمل على تحديد المناطق المهمة لمبيت الطيور المحلّقة، حيث تطير هذه الطيور على علو منخفض مما يعرّضها للمخاطر، وأيضاً مناطق مبيت الطيور الجارحة والطيور المائية التي تأتي للإشتاء في لبنان، إضافةً إلى مناطق التزاوج، ومرور أنواع الطيور التي تتميز بنطاق محدود من الانتشار مثل النعار السوري.
بدوره أعلن مدير جمعية آروشا كريس نايلور أنه، خلال الفترة الممتدة بين آذار 2005 حتى شباط 2008، جرت دراسة 31 منطقة موزّعة على الأراضي اللبنانية، عبر دراسات سنوية، وزيارات ميدانية متكررة تشمل فترة هجرة الطيور. ولقد نفّذ فريق الباحثين العلمي خلال المشروع نحو 320 زيارة ميدانية تساوي أكثر من 3000 ساعة مراقبة، مما أدى إلى جمع كمّ هائل من المعلومات عن عشرات الآلاف من الطيور. ومن ثم، جرى العمل على مقارنة هذه المعلومات العلمية مع الشروط العالمية التي اعتمدها المجلس العالمي للطيور عن المناطق المهمة للطيور.
وأضاف نايلور: «بعد تقديم النتائج إلى المجلس العالمي للطيور، أُعلنت 9 مناطق جديدة مناطق مهمّة للطيور وذات أهمية عالمية، وهي حمى عنجر ــ كفر زبد، بحيرة القرعون، مرتفعات ريم ــ صنين، محمية غابة أرز تنورين الطبيعية، حمى إبل السقي، وادي نهر بيروت، المنطقة شبه الصحراوية في رأس بعلبك، مرتقعات عكار ــ الضنيّة، محمية غابة بنتاعل الطبيعية، وادي الرملية، وجبل موسى.
نايلور أكد لـ«الأخبار» أن «محمية مستقنع عمّيق الطبيعية، التي تعدّ منطقة مهمة للطيور وللعديد من الكائنات الحية، عانت هذا العام المناخ الجافّ الذي سيطر على لبنان حتى منتصف شباط الماضي». وأضاف نايلور: «رغم أن المستنقع امتلأ بالماء في فترة لاحقة فإن هذا الجفاف مثّل إنذاراً قوياً بشأن التغيّرات المناخية التي يشهدها لبنان والعالم، والتي من المتوقع أن تهدد المناطق الرطبة بجفاف دائم، وتفقدها قيمها المهمّة كمنطقة مثالية للتنوع البيولوجي».
ونفى نايلور أن تكون نتائج المسح قد توصلت إلى تحديد تغيرات مناخية نتجت منها رحلات مبكرة للطيور المهاجرة في الخريف والربيع.
لكنه أكد أن مراقبة الرحلات المبكرة وتحليلها لمعرفة تغيّر المناخ أمر فائق الأهمية، لكنه يحتاج إلى أسلوب آخر من المراقبة، وفريق عمل أكبر، آملاً أن يتمكن لبنان في المستقبل من إنشاء وحدة مراقبة مركزية للطيور، لإجراء عملية تقويم للهجرة المبكرة للطيور الناتجة من تغيّر المناخ العالمي.
بدورها، شدّدت منسقة المشروع في جمعية حماية الطبيعة بسمة الخطيب، على تفاوت الحماية في المناطق الجديدة التي جرى تحديدها.
مشيرةً إلى أن مناطق بحيرة القرعون، ومرتفعات ريم ــ صنين، وشبه الصحاري في رأس بعلبك، ووادي نهر بيروت لا تتمتع بأي نوع من الحماية، الأمر الذي يستدعي إيلاء عناية خاصة بها بسبب الصيد الجائر الذي يجري فيها.
وبالحديث عن الصيد الجائر، أعلن رئيس جمعية حماية الطبيعة، رمزي الصعيدي، الذي يمثّل القطاع الأهلي في المجلس الأعلى للصيد، بذل المجلس جهوداً في سبيل إصدار المراسيم التطبيقية لقانون الصيد تكفل إطلاق مشروع الصيد المستدام.
ومن المعلوم أن الوزير كرم جهد لفتح موسم الصيد عام 2008، بسبب إلحاح تجار أسلحة الصيد والخرطوش. لكنه، اصطدم بحملة إعلامية وأهلية كبيرة دفعته إلى التراجع عن قراره.