جيسيكا. كان ذلك هو اسمها. ما إن جلست بجانبها حتى لفتني شعرها وطريقة لبسها. حين تحدثت، صمت الحاضرون، وشعّت من حديثها جاذبية أخذت حذري من سطوتها.اجتهدت الزميلة في تسويق أفكار القوات اللبنانية، التي بالتأكيد لم تكن هي مصدر جاذبيتها، لما تحمله من استفزاز. رغم ذلك، بقيت جالساً بقربها، وتمنيت لو يلتصق الكرسيان أكثر.
كنا في مجموعة واحدة خلال ورشة العمل. تقصّدنا استفزاز بعضنا بعضاً، حتى خلال استراحات الغداء. أما في السهرة، فقد وجدنا ما نتفّق عليه. مثّلت موسيقى فيلم «العرّاب» لنا بوابة عبور نحو حوار من نوع آخر. كسرنا حاجز السياسة، وضعنا مخالبنا جانباً، وبدأنا نتحدث عن الموسيقى، والفن، وأشياء أخرى. قالت جيسيكا إن موسيقى فيلم «الحديقة السريّة» تذكّرها بفقرها. وهذا ما قلته أيضاً. نحن إذاً فقراء، صفعتنا جيوبنا الفارغة في لحظة موسيقيّة. قرّرنا تحييد الضاحية الجنوبية والسوريين والصليب المشطوب جانباً، فثمّة أشياء أهم بكثير من هذه الموروثات التي حملناها معنا إلى الفندق. الجامعة اللبنانية وتوحيد فروعها، شهاداتنا التي يتناساها زعماؤنا في أدراج المراسيم الوزاريّة، أجرة التاكسي التي ندّخرها، وصولاً إلى سندويش الفلافل، الذي تجهد «إسرائيل» في سرقة أمومته.
اتّفقنا فوراً. انكسر حاجز المحظور الذي فرض علينا. واكتشفنا أننا لسنا غرباء بعضنا عن الآخر كما لقنونا في البيت والمدرسة. علمت جيسيكا أن في الضاحية فقراء مثلها، يرتعشون من الجوع. أسرّت لي أنّها لا تحب الصليب المشطوب، وأن زمنه قد انتهى.
لاحقاً، زارت جيسيكا بيتي في الضاحية. اصطحبتها إلى مطعم، فرافقتني وصليبها يزيّن رقبتها. هناك، تناولنا الغداء معاً، قرب عمّال سوريين فقراء.. مثلنا.

محمد محسن