أحمد محسنقد يبدو المشهد هجيناً بعض الشيء، في أزقة الضاحية الجنوبية الداخلية. ترتفع إشارات سير حديثة، في التقاطعات الرئيسة، وبعض الأحياء الداخلية، التي تشهد ازدحاماً روتينياً في حركة السير. أضواء الإشارات ما زالت سوداء، بانتظار بدء عملها. يراقبها الناس هناك بمزيج من الاستغراب والحذر. «ظننت الأمر مزحة في البداية» يقول أحدهم ضاحكاً، ويشير إلى إحدى تلك الإشارات المثبّتة في شارع السيد هادي نصر الله. يبدي فضل تفاؤلاً بنجاح عمل الإشارات الجديدة. ويتوقع أن يحتاج الناس إلى وقت، قد يكون طويلاً، للتعامل بجدية مع أسلوب السير الجديد، الذي يُفترض اعتماده في الضاحية. «كتير حلوين» يقول علاء مبتسماً بسخرية، مفلتاً يديه عن مقود الدراجة النارية. علاء، هو أحد الذين اضطروا إلى تسجيل دراجاتهم قانونياً، بعد الحملة التي قامت بها القوى الأمنية لحجز الدراجات المخالفة. لكنه يعترف بأنه قام بذلك لأنه يعمل في أحد المطاعم في «الغربية»، قاصداً بذلك بيروت الإدارية. يستعمل مصطلحاً مفاجئاً (الغربية)، ويعبس لبرهة. يشرد كأنه يفكر في أمر ما، قبل أن يردف، «إشارات سير في الضاحية ما يعني تطبيق النظام»، لا يشعر بأن الناس سيتجاوبون هو الآخر. إلا أن المصطلح الذي استعان به علاء للتدليل على بيروت الإدراية، والتزامه القانون، يشير إلى أن انضمام إشارات السير، إلى العوامل النظامية الأخرى، من شأنه أن يعيد شعور المواطنين في الضاحية، بانتمائهم إلى العاصمة، والوطن تالياً، على عكس الصورة النمطية الشائعة عن المنطقة وأهلها في مخيّلة البعض، عن أهل الضواحي عموماً. ويبدي بعضهم لهفة متعلقة بالموضوع، إذ تخالف فاطمة الذين سبقوها في التعليق: «لا بد أن يلتزموا»، ثم تطرح سؤالاً ضرورياً «هل يعرفون ما يعنيه كل ضوء من الأضواء؟»، منذ زمن لم يسيروا تبعاً لهذا النظام. وفي الحديث عن الأضواء، لا يشعر محمود بالحرج من رغبته في تغيير هذه الأضواء. الأخضر والبرتقالي جيدان بالنسبة إليه، لكن تكمن المشكلة بالنسبة إليه مع الأحمر، ليس لكونه إعلان الوقوف؛ المشكلة أنه ليس أصفر. «كانت أجمل لو أصفر أخضر ليموني» يقول محمود ساخراً، ثم يحاول أن يستفهم عن موعد انطلاقة هذه الإشارات.
وعلمت «الأخبار» من مسؤول أمني متابع، أن هذه الإشارات ستطلق أضواءها تدريجياً، وستبدأ أولاها العمل بين شهري نيسان وأيّار المقبلين. ورأى المسؤول أن الأمر يحتاج إلى تجربة، بيد أنه أكد وجود قرار أمني حازم بمنع أي استهتار، كما لفت إلى أن شرطي سير سيكون قرب كل إشارة، لمساعدة الناس على تعوّد الأمر، من دون أن ينفي أن الأمر ليس سهلاً «لكون عديد القوى الأمنية لا يساعدها على إجراء كل الترتيبات دفعة واحدة»، وخاصةًً أن الإشارات ستتوزّع على مسافة واسعة في الضاحية، بين مناطق الليلكي، القائم، المشرّفية، وشاتيلا، مروراً بالتقاطعات الجانبية التي تظلّل جسر الصفّير الحديث الولادة.


انطلاق تجريبي ومحاولات لتأمين الطاقة

أفصح أحد المسؤولين التقنيين (المولجين دارسة الوضع الفني لإشارات السير في الضاحية) في حديث لـ«الأخبار»، عن قيام الشركة اللبنانية المتعهدة بدراسة وافية لطبيعة الطرقات في المنطقة، تمهيداً لتجربتها، وخاصةً أن الشركة المنفّذة إسبانية. ومن ناحية الاتصال، وغرفة التحكّم، يُفترض أن تنضم أعمدة السير الضوئية إلى أخواتها، في المبنى المركزي TMC Building الذي يقع في منطقة كورنيش النهر. ولحظت الدراسة المذكورة، التغيّر الدائم الذي يطرأ على الشوارع المكتظة بالسكان، من ناحية إمكان ظهور مبانٍ جديدة، في ضوء حالة إعادة الإعمار التي تعيشها الضاحية. أما عن المعوّقات التي تؤخّر الإشارات، فهي تتعلق بإجراء اتصالات مع «أوجيرو» كما أكد المسؤول التقني، الذي أعلن أن المفاوضات جارية مع البلديات لتزويد الإشارات بالكهرباء، على الرغم من توفير الشركة المتعهدة وحدات بديلة للتزويد بالطاقة (UPS)، لافتاً إلى أن وجود خطي سير في شارع واحد، قد يعوق عمل الإشارات.