خالد صاغيةبدأ المرشّحون يتهاوون واحداً بعد الآخر. القادة الكبار يحرّكون أصابعهم، فيفتحون أبواب الجنّة أمام مرشّحين، ويحرّكون أصابعهم ثانيةً، فيغلقونها. لسنا في الغالب أمام أحزاب تبدّل من مواقع أفرادها. إنّنا أمام «شخصيّات» تستحقّ أو تطلب أو تستجدي مقعداً من «شخصيّات» أخرى تملك تفويضاً من طوائفها بأن ترضى عمّن تشاء أو تُقصي من تشاء.
الطاقم السابق لم يكن استثنائياً. وجوه كثيرة سيرتاح اللبنانيون من إطلالاتها. لكنّ القادمين الجُدد ليسوا في أحيان كثيرة أفضل حالاً. وليس معيار الكفاءة هو الذي يحكم بقاء النائب الحالي مرشّحاً، أو سحب ترشيحه.
وإذا نظرنا إلى بعض المطرودين من الجنّة النيابيّة، فسنجد أنّ الأكثر صدقاً وحماسةً لمشروع 8 أو 14 آذار هو الذي أُزيح. فالزمن زمن العودة إلى اللعبة القديمة. لا مكان لمن سوّلت له نفسه التطاول على العائلات الإقطاعيّة الباقيّة. فحتّى الاستقطابات السياسيّة الحادّة لم تستطع النيل من جبروت تلك العائلات التي وجدت لها حيّزاً في المشروعين الثوريّين. ولا مكان غالباً لمن ناصر هذا التيّار أو ذاك عن صدق، فذهب في خطابه إلى النهاية. لقد أحرق نفسه. أمّا الطاولة الآن فهي للّذين حفظوا «خطّ الرجعة». أمّا الباقون، فقد استخدمهم الكبار في معاركهم المدمّرة، ثمّ رموهم لأقدارهم، وربّما عادوا واستخدموهم ثانيةً حين تعود تباشير الحروب الصغيرة لتلوح من جديد.
ما يجري على ساحة الترشيحات اللبنانية شبيه جدّاً بما جرى للقادة أنفسهم. فأولئك شحذت هممَهم ورفعت سقوفَهم وصعّدت حماستَهم دولٌ استخدمتهم في معاركها الكبرى، قبل أن تتركهم يتدبّرون أمورهم بأنفسهم، معلَّقين في منطقة وسطى بين الأرض والسماء.
في الأيّام الأخيرة، بات المرء يستمع إلى غطّاس خوري، فيظنّ أنّ المتحدّث هو ميشال عون. وتماماً كما يتحدّث عون عن «تحرير» الأشرفيّة من سيطرة تيار المستقبل، كاد خوري يطالب بتحرير الشوف من سيطرة وليد جنبلاط. ما العمل... فالثوّار الحقيقيّون لا يملّون من خوض الحروب الصعبة. وغطّاس طبعاً واحد من أولئك الثوّار!