أضطر دائماً إلى شرح نوع العمل الذي أزاوله بدوام جزئي، إذ ما إن أقول: «فيزيونوميست»، حتى ينعقد حاجبا محدّثي فوراً. فمهنتي تعبّر عنها كلمة أجنبيّة لا رديف لها في اللغة العربية. وظيفة جديدة فرضتها الحياة الليليّة وضرورات السهر. ليست متعبة جسديّاً كغيرها من مهن الليل، لكنّها دقيقة جدّاً وتتطلّب لدى مزاولها كفاءات، منها ما هو مألوف في سوق العمل، كإتقان اللغات وتمتّعه بالمهارات وبالخبرة الاجتماعيّة، ومنها ما هو خارج عن المألوف كقدرته على التمييز بين الزبون «المرتّب» والـ«مش مرتّب»، بالمفهوم اللبناني للكلمة. فالفيزيونوميست هو من يتّخذ القرار بخصوص جدارة شخص بالدخول إلى النادي الليلي أو عدمه، وفق معايير تستند إلى شكله وهندامه، وإلى إشارات أخرى تدلّ على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها وعلى مستواه المادي، كنوع السيارة التي يقودها، ونوعية الثياب التي يرتديها. لكلّ نادٍ قوانينه ونوعيّة الزبائن الذين يحاول استقطابهم، ويكمن دور الفيزيونوميست في الاستدلال إليهم. وفي هذه الحالة، تكون للنساء حصّة الأسد. حيث إنّ في أزياء النساء ما يكفي ليدلّ على ترتيب أو عدمه، من فستان إلى جزدان إلى حذاء إلى مجوهرات وأكسسوار، كلّها مدلولات طبقيّة وامتحانات دخول. عند الرجال الحالة أصعب. فلو لم يجد ما يميّز الزبون ويصنّفه من حيث الزيّ، وجب اللجوء إلى أسلوب آخر. قد يكون حديثاً مصطنعاً بلغة أجنبيّة للاستدلال إلى مدى إتقان الزبون لها، وقد يكون طراز الخلوي الذي يحمله أو السلسلة التي يضعها في رقبته أو الساعة التي تزيّن معصمه. وعلى الفيزيونوميست استراق اللحظة المناسبة أو حتى افتعالها لمراقبة كل هذه التفاصيل.
أصبحت «الفيزيونوميسم» مادة تدرَّس في كليّة إدارة الفنادق، لأنها تتطلب دقة تتجاوز تقويم مظهر الزبون الخارجي. فذلك الثري الذي يعمل 10 ساعات يوميّاً وهو في زيّ رسمي، لن يأتي إلى السهرة بالبذلة أو حتى بحذاء رسمي، بل قد يكون بهيئة عامل عادي من الطبقات الدنيا، هنا يصبح التمييز أصعب.
تنتشر هذه المهنة أكثر فأكثر في النوادي الليلية، وخصوصاً النخبوية منها، بعضهم يرى أنها تسهم إلى حدٍّ كبير في ارتقاء الحياة الليليّة اللبنانيّة، بينما يرى البعض الآخر أن معايير التقويم التي تستند إليها «سطحية».
(توفاريتش)