أكثر من 200 مصاب بمرض التلاسيميا الوراثي في مخيم برج الشمالي و6 وفيات حتى اليوم، بيد أن الخطورة لا تكمن في العدد بقدر ما تكمن في عدم تغطية الأونروا لهذا المرض، ما يدفع اللاجئين إلى «الشحادة» لتوفير العلاج، وإلا فالموت
سوزان هاشم
في عباب بحر الحرمان الذي يغرق فيه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، يبدو أن المرض، التلاسيميا تحديداً أو مرض فقر الدم الوراثي، هو «الإرث الوحيد» الذي يسمح بتناقله من الآباء إلى الأبناء هنا، من دون أن يعترضهم قانون عدم جواز تملك الفلسطيني. هذا الواقع المأساوي تعيشه الكثير من العائلات الفلسطينية في مخيم برج الشمالي، غسان عيد (33سنة) واحد من هؤلاء. عيد الذي استقبلنا وهو لا يزال يتعافى من عملية استئصال الطحال، أُجريت له أخيراً نتيجة إصابته بالتلاسيميا، اكتشف إصابته بهذا المرض منذ سنواته الأولى، بحيث كان يخضع دائماً لعملية نقل وحدات دم بمعدل مرتين إلى اربع مرات في الشهر، إضافة إلى تناوله الدواء دائماً منذ عشر سنوات. وهو دواء «غير شكل» يبلغ سعره 110 آلاف ليرة لبنانية. هذا المرض لم يترك من خيار أمام الشاب سوى «العمل بالفاعل في البساتين وغيرها»، بحسب تعبيره، وهو عمل، على رداءته، متقطع لا يمنح استمرارية ولا أماناً. فكما يقول عيد «يوم بشتغل وعشرة لأ»، لذلك فهو يعتمد على إخوته لمساعدته في تغطية مصاريف العلاج. لكن حتى بهذه الطريقة لا تتوافر الأدوية بسهولة. فليس غسان وحده من يعاني من هذا المرض في العائلة، بل هناك شقيقته منتهى (29عاماً) التي تشاركه المرض، تماماً كشقيقه ماهر الذي توفي أخيراً متأثراً بمضاعفات التلاسيميا. وبالطبع، المشكلة لا تقف عند هذا الحد، فغسان بانتظار مولود جديد، وليس من المستبعد أن يرث هذا الأخير داء الوالد، لكن «زي ما أنا عشت هو بيعيش»، يرد عيد مبرراً عدم إصغائه لنصيحة الطبيب بخضوع الجنين للفحص الخاص بالتلاسيميا، رافضاً فكرة إجهاضه إذا ما تحقق من إصابته بالمرض.
أما نور العلي (11 عاماً) التي تتقاسم هي الأخرى وإخوتها الثلاثة المرض نفسه، فقد حرمت من مقاعد الدراسة، نظراً لوتيرة دخولها المستشفى بين الحين والآخر لأخذ وحدات دم. وتشير غادة شقيقة نور (29 عاماً) وهي مصابة أيضاً إلى الصعوبة في الحصول على ما يلزمها من وحدات دم. فوالدها يعتمد على «الأصحاب والمعارف»، وما من جمعية أو هيئة تتبنى ذلك. وتردف قائلة: «حتى إن حركة فتح لم تعد توفر كلفة الدواء التي كانت تغطي نصف ثمنه سابقاً، وهكذا فإن كل ما يجنيه الوالد من عمله في البساتين لا يوفر كلفة علاجنا».
لكن أين مخيم برج الشمالي من هذا المرض؟ تقول مصادر طبية إن الإصابات الأكثر انتشاراً في المخيم هي من الدرجة الثالثة للمرض، أي الأقل خطورة. ولعل النسبة الكبيرة الموجودة فيه (أكثر من 200 إصابة) تعود بحسب ما يشير مدير جمعية الغد، فؤاد حسين، إلى عدم الخضوع للفحوص الخاصة بهذا المرض قبل الزواج، كذلك إن كثرة الزواج بين الأقارب تساهم في انتشاره». لكن حتى هذه الدرجة الخفيفة من الإصابة، حسب حسين «قد تهدد المصاب بالموت نتيجة عدم قدرة المريض على دفع تكاليف العلاج، إذ سجلت 6 حالات وفاة خلال السنوات المنصرمة. أما الأنروا، فهي لا تدرج التلاسيميا على لائحة الأمراض التي تساعد في توفير كلفتها، مضيفاً أن «أجهزة التحاليل المخبرية غير متوافرة لدى مستشفيات الأونروا، وقد ناشدنا السلطات اللبنانية المعنية تزويدنا بهذه الأجهزة، وحتى الآن لا نلقى سوى الوعود، كذلك فإن توفير وحدات الدم يقع على عاتق المريض نفسه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدواء المتوجب تناول علبة منه شهرياً (110 آلاف ل ل) علماً بأن متوسط الدخل في المخيم لا يتعدى 350 ألف ل.ل». لذا، ليس أمام المريض سوى طرق الأبواب للحصول على كلفة العلاج.


ما هو هذا المرض؟

التلاسيميا هو مرض فقر الدم الوراثي، ويعدد د. علي هاشم درجاته:
الأولى، الأكثر خطورة، إذ تؤدي إلى وفاة المريض طفلاً. الثانية، متوسطة الخطورة، وتمنح المصاب فرصة للبقاء حتى 17 سنة من عمره في حد أقصى. الأخيرة، الأقل خطورة، تقتضي خضوع المريض دائماً للفحوص لمعرفة مدى حاجة جسمه لنقل الدم، وتلزمه تناول الحديد ودواء آخر (أسيد فوليك)، وإغفال ذلك قد يؤدي إلى وفاة المريض. كذلك تؤدي هذه الدرجة من المرض في الكثير من الأحيان إلى استئصال طحال المريض