بيروت، القاهرة، بنغالور وغيرها من مدن جنوب الكرة الأرضية، نظنها بالغة الاختلاف فننبش الخصوصيات لنتباهى بها ونشهر تميّزنا. لكننا سرعان ما ندرك أننا مخطئون. كان ذلك أول ما خطر ببالي وأنا أركب الباص المجنون الذي يوصلني إلى مدينة بنغالور الهندية، ويُخيَّل إليّ أنني في بيروت... أو في القاهرة.معالم الحياة تتكرر، السائقون المجانين هم أنفسهم لكن بسحنة مختلفة. زحمات السير الخانقة تتشابه، لكن بكثافة أكبر. الغبار الذي يحتلّ الجو يرافقك ليعشّش داخل الرئات، الشوارع والطرقات التي تعج بالناس، وغيرها من معالم المدن المتوسعة التي تبتلع البشر، وتجبرك على الوقوع في غرام فوضاها.
في زحمات السير، خيِّل إليّ أنني أركب باصاً على طلعة السوديكو، لكن الفرق أنه في بنغالور، الناس يكتفون بالتزمير ويتجنّبون سمّ أبدانهم بالصراخ والشتم...
وكدت، تحت أحد الجسور التي غلّفت دعائمه ملصقات إعلانية، بين التاكسيات الصغيرة والباصات التي يزعق سائقوها لمناداة الركاب، أن أنزل من الباص لأستقل حافلة لتقلني إلى طرابلس، لكني تذكرت أنني لست في محطة شارل حلو ولا تحت جسر الدورة!
حين كنت في الطائرة، فكرت في أنني أخيراً سأصل إلى البلاد التي كان الأوروبيون وما زالوا يعيشونها في رغباتهم ويجعلون منها أرضًا خيالية، كما فعلوا في بلادنا، كانوا يقولون: هذا هو الشرق السحري!
وجدت الشرق مدناً للإسمنت والعشوائية في اللاتنظيم المدني، شرق الفقر والتسوّل، شرق التناقضات الاجتماعية: فوسط شارع مكتظ بالناس الكادحين تشرئبّ أمامك مبانٍ سكنية طفيلية وبشعة يحرسها رجال الأمن، وإلى جانبها مجمّع تجاري مسلوخ عن محيطه. هذا هو الشرق، حيث تنقطع الكهرباء (في بنغالور أيضاً)، وحيث يصبح الفساد جزءاً لا يتجزّأ من الحياة اليومية.

نبيل عبده
hanzala86.blogspot.com