أحمد هاشمالله يرحم أيام زمان، حيث اعتدنا في القرية وفي الحي الذي نشأنا فيه، أن نكون يداً واحدة وقلباً واحداً نحفظ أملاك بعضنا بعضاً ونصون أعراضنا. الكلّ أباؤنا وأمّهاتنا وإخواننا وأخواتنا، هكذا كنّا وما زلنا، وتصرخ الجارة من بعيد يا الله... يا أهل الدار... وعندما لا تجد من يسمعها، تقفل خلفها البوابة التي فاتنا إقفالها، وكم من مرة كنت أنسى سيارتي مشرّعة النوافذ عند عودتي متأخراً من السهرة، وإذا بأحد الجيران يمر بجانبها فيقفلها حرصاً منه علينا. الطبخة الواحدة توزّع صحناً صحناً على الجيران، وخيرات المواسم تذهب إلى البيوت التي تفتقدها. أجل هكذا كنا. لقد صدق المثال الشعبي حين قال «جارك القريب ولا خيك البعيد».
لم يبلغ أمين الحلم، يعيش مع والديه وشقيقته وسط الأهل والأقارب وبعض الجيران، مطمئناً غير آبه بأن يصيبه مكروه. أشرقت الشمس، تهيّأ للمدرسة، نزل أسفل البناية لينتظر باص المدرسة، فاجأه شخصان وأودعاه سيارة لتغيب عن وجهه شمس الصباح. لم يكن يتوقع أن جاره هو الذي أخفاه لقاء حفنة من الدولارات جنى بها على نفسه وعائلته. نظر أمين إلى بعض خاطفيه بعدما شك في أنه يعرفه نظرة شجاع غير آبه بما سيحصل له من هؤلاء الرخيصي الأنفس قائلاً: «ولو البابا دائماً يساعدك، هكذا يرَدّ المعروف». لكن الجار جار واستمر الخطف إلى أن شاء القدر ورحم الله دمعة أمه.
عاد أمين إلى ذويه سالماً معافى شاكراً معالي وزير الداخلية الأستاذ زياد بارود الشجاع وكل من ساعد على عودته إلى أحضان أهله، لكنه حمل معه هماً جديداً هو أسلوب حياة لم نعتده، فقدان الأمان إزاء الجيران. كيف يهنأ الإنسان في مسكنه ولا أمان من جيرانه؟
تُرى ما الذي حصل ليتحول الناس إلى آكلي لحوم البشر، ينهش واحدنا أخاه؟ هل الأوضاع الاقتصادية المتردية هي السبب أو عدم استتباب الأمن وكثرة الواسطات والمحسوبيات أدّت إلى تدني الأخلاق الاجتماعية وضعف النفس البشرية؟
كيف يبنى بلد وأكثر مسؤوليه همهم من يفوز على الآخر في ملف ما، أو سيطرة على زاوية في حي معيّن، أو ترشيح وريث له للنيابة التي ورثها عن أبيه.
هذه هي سياسة العصر، لم يكن هم السياسيّين تأمين حياة كريمة وشريفة للمواطنين الذين أرهقتهم الهموم المعيشية والاقتصادية ومن ثم
الأمنية.