معارضة الولد لأهله قد تكون من السلوكيات والأمور السيئة في القاموس الاجتماعي العربي. الابن يجب أن يطيع أهله إطاعة مطلقة. «لا» كلمة لا وجود لها في قاموس تخاطب الابن ـــ والابنة بالتأكيد ـــ مع الأهل. لكن حبّ الأهل لابنهم قد يدفعهم إلى قراءة سلوكياته المعارضة بشيء من الخفة، وإن كانت سلوكياته عنيفة. متى تكون المعارضة سلوكاً طبيعياً؟ ومتى تعكس عنفاً في شخصيات الولد؟

حلا ماضي
تنزوي ريما في غرفتها لتنفجر بالبكاء بسبب تصرفات ابنها هشام (7 أعوام) في المنزل والمدرسة. عند إيقاظه يرفض هشام غسل وجهه وتنظيف أسنانه، ويصر على ارتداء ثيابه قبل تنظيف نفسه، وإذا لم تتجاوب أمه لقراراته يبكي ويصرخ و«يهدد» بعدم الذهاب إلى المدرسة . هشام يرفض ارتداء معطفه أو وضع قبعة على رأسه أيام البرد، وقد ينزع ثياب الشتاء ويتركها في المصعد ثم يُعلم أمه بالأمر لتتسلم الملابس.
تضحك أمل عندما تتحدث عن معارضة طفلتها ندى (3 أعوام)، فالابنة ترفض الجلوس في الكرسي المخصص لها في السيارة، وإذا أصرت الأم على وضعها فى كرسيها، تظل ندى تبكي وتصرخ طوال الطريق، فتتوقف الأم عدة مرات على جانب الطريق وتنقلها إلى جانبها، ومن ثَمّ تعيدها إلى كرسيها!
تحاول أمل تعويد ابنتها على تناول الحليب في كوب للتخلص من الـ«BIBERON»، كذلك تحاول تعويدها على التخلي عن الحفاض، إلا أن محاولاتها تبوء بالفشل، فالصغيرة تلجأ إلى الصراخ و البكاء لاستعطاف والدتها.
ما تواجهه ريما وأمل أهون مما تعاني منه هناء زاهي، والدة جهاد (10 أعوام) الذي يرفض اتباع إرشادتها في أمور تتعلق بالثياب والطعام.
شعرت هناء بالقلق حين لاحظت أن جهاد بدأ يماطل فى إنجاز واجباته المدرسية، ويشاهد التلفزيون حتى وقت متأخر، ما دفع والده الى إعلان حرمانه نهائياً من هذه المشاهدة، عندها لم ينبس جهاد بكلمة، لكنه اتجه نحو التلفاز وحطمه!
إذا كان جهاد قد حطّم التلفزيون، في ردة فعل على طلب والديه، فإن يوسف (11 عاماً)، سارع الى رمي كل ألعابه من على الشرفة، وانزوى لساعات طويلة في غرفته، وذلك رداً على انزعاج أمه من قصة شعره الغريبة.
أستاذة التربية في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية سمر الزغبي تشير إلى أن معارضة الطفل للأهل (أو غيرهم) هي وسيلة للتكيف مع مرحلة جديدة من حياته، أو ليكتسب استقلاليته. وتلفت الزغبي إلى أن إظهار الطفل لمعارضته شيء ضروري وصحي لنموه جيداً.
ترى الزغبي أن المعارضة والمشاكسة عند هشام ابن السبعة أعوام، انعكاس لمرحلة جديدة من عمره وتأكيد لرغبته بالاستقلالية، وهو حين يعارض أو يرفض طلبات والدته كأنه يقول لها: «إني قادر على التمييز والاختيار». وعلى الأم أن تعرف بأن تلك المعارضة، وإن بدت مزعجة بالنسبة إليها، تساعد الطفل على تكوين قوانينه الداخلية.
أما بالنسبة إلى الطفلة ندى، فإنها باتت تدرك «قيمتها» شخصاً قادراً على تحقيق التواصل مع الآخرين والتأثير عليهم والاستئثار باهتمامهم، وتعرف ضعف الأم (الحلقة الأضعف) تجاه أطفالها، وترى الزغبي أن «الأطفال فى عمر ندى يرفضون عملياً كل شيء».
الرفض السلبي في حالتي جهاد ويوسف سلوك مَرَضي، فهما في مرحلة ما قبل المراهقة، وفي هذه المرحلة يُطلب من الولد التخلي عن سلوكيات الأطفال، ويُمنع في الوقت ذاته من التصرف كمراهق. ترى الزغبي أن الأولاد في عمر جهاد ويوسف يواجهون ضغوطاً عديدة. فعلى الصعيد التربوي، ينتقلون من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة أعلى، ويصبحون في حاجة إلى تركيز واهتمام أكثر، ليس كل الأولاد في هذه المرحلة العمرية عنيفين أو سلبيين، لكن بعضهم قد يعاني من ضغوط الأهل، ما يساهم في زيادة معارضته لهم.
هؤلاء المعارضون يتصرفون بعنف، قد يكسرون أغراضاً أو يتلفظون بتعابير نابية وعدائية، وهذا ما يُطلَق عليه «الرفض السلبي والعدائي». الولد في هذه الحالة يبدي موافقة ظاهرية لما يطلبه الأهل، لكنه يتدبر أمره لينفذ ما قرروا فعله. وتشير الزغبي إلى أن هؤلاء الأولاد غالباً ما يعانون من إخفاق مدرسي ومن تدنٍّ في احترام الذات.
المعالجة النفسية وأستاذة علم النفس فى جامعة البلمند بيلّا عون تشدد على أنه «ليس مطلوباً من الأهل تغيير شخصية الولد»، لكنها تدعو إلى محاولة تعديل السلوكيات الإشكالية التي يمارسها. هذا التعديل يكون من خلال تأكيد الحب والتصرف بعفوية تجاه الولد، إذ «على الأهل تجنب الدخول بصراع مع الطفل أو المراهق»، وعليهم أن يفسروا لابنهم موقفهم وما يطلبونه منه.
تدعو عون الأهل إلى التركيز على السلوكيات الإيجابية التي يقوم بها ابنهم في محاولة لدعمه، بدلاً من الإكثار من القصاص، وعليهم أن يساعدوه ليظهر إحباطه، فالتعبير ـــــ اللفظي وغير اللفظي ـــــ يساعده كثيراً على التنفيس عمّا يجول فى داخله. أما إذا شعر الأهل بأن الأمور تتجاوزهم، وبأنهم لا يستطيعون التواصل مع ابنهم، فعليهم استشارة معالج متخصص.


المعارضة العدائية

يذهب بعض الأهل إلى التخوف من معارضة أبنائهم لهم، فيما هؤلاء يعبّرون عن استقلاليتهم، ويتغاضى بعض الأهل عن عنف أولادهم اعتقاداً منهم أن هذا العنف سلوك شبه طبيعي.ترى الزغبي أن إشارات في سلوك بعض الأولاد تجعل معارضتهم ضمن الإطار المرضي، فيبقى السلوك عادياً ما دام ظهر متقطعاً وعابراً، و هو مرضي حين يظهر بتواتر وباستمرار. وتتحدث الزغبي عن الحدّة والانزعاج في السلوك. ومن الأمور التي تشير إليها عدم قدرة بعض الأطفال على التكيف مع وضعيات الحياة اليومية، فيجد الولد صعوبة بإدارة المعلومات التي يتلقاها (خاصة في المدرسة)، ويعجز عن التواصل مع أفراد أسرته وبالتالي مع الغير