ياسين تملاليوتعكس وسائل الإعلام، تقول الكاتبة، صراع هذه الرؤى الثلاث بشكل شبه ميكانيكي، إذ تنقسم هي الأخرى إلى معسكرات ثلاثة يناصب بعضها بعضاً العداء.
ودرست زكية داوود وضع المرأة المغربية من زوايا عديدة، منها تعاظم الوجود النسوي في المؤسسات الصحافية، وتعامل وسائل الإعلام مع صورة زوجة الملك محمد السادس بوصفها مثالاً لما يمكن أن تكون عليه المغاربيات، وكذلك تعاملها مع صورة المناضلات الإسلاميات، الراديكاليات منهن أو المعتدلات من أمثال نادية ياسين.
وأفرد البحث فصولاً كثيرة لقضايا تركز عليها الصراع الإيديولوجي في السنوات الأخيرة، كتعديل قانون الجنسية، بما يسمح للمغربيات بمنح جنسيتهن لأبنائهن من أزواج غير مغاربة، وتطور الحضور النسائي في الأحزاب والمناصب السياسية الرسمية والقطاعات الاقتصادية. وبالرغم من أهمية محتواها، تبدو هذه الفصول بعيدة بعض الشيء عن موضوع البحث كما يلخصه عنوانه: «وضع المرأة المغربية من خلال الصحافة ووسائل الإعلام».
وقامت الصحافية الجزائرية غنية موفق في «النساء الجزائريات من خلال الصحافة المكتوبة» بجرد نقدي للصحف الجزائرية، مقالاتها وصورها، خلال فترة زمنية محددة، واستخلصت من هذا الجرد وجود صور نمطية ثابتة للنساء: «بطلات» يؤدين واجباتهن المنزلية المنهكة ويحتملن بجلد كبير عنف أزواجهن وإخوتهن وآبائهن، «ضحايا الهمجية الاستعمارية ماضياً والهمجية الإسلامية حاضراً»، و«مسؤولات عن تخلخل النسيج الاجتماعي» كما هي صورتهن في صفحات الحوادث، بالرغم من أنهن في معظم الأحيان هنّ الضحية لا الجلاد.
ولخّصت الكاتبة أطروحتها بهذه الكلمات: «عندما تهتم وسائل الإعلام بالنساء، ففي أغلب الأحيان من زاوية العنف الذي يتعرضن له كـ«ضحايا الإرهاب الإسلامي»، و«ضحايا قانون الأسرة»، وكـ«أمهات لمفقودي الحرب الأهلية»، إلى درجة أن تعبير المرأة الجزائرية أصبح يستحضر إلى الذهن ودياناً من الدم وأنهاراً من الدموع».
وتعتقد غنية موفق أن «النساء في باقي أنحاء العالم نادراً ما تحوّلن، كالنساء الجزائريات، إلى رمز أساسي من رموز الحرب الأهلية». وفي معرض دراستها لكيفية نشوء هذا الرمز وتطوره، ذكّرت بأن عملية تصوير النساء كضحايا للإسلاميين و«استئصال الإرهاب» تخليصاً لهن من ربقة الرق الديني بدأت في فرنسا على يد نخب أرادت دعم النخب الجزائرية التي دعت إلى شن «حرب شاملة على الإرهاب»، ودافعت حتى عن أبشع تجاوزاتها. وبطبيعة الحال، تناست هذه الدعاية، تقول الكاتبة، أن النساء لم يكنّ أقل انخراطاً من الرجال في جبهة الإنقاذ الإسلامية وفي الحركات ذات الصبغة الدينية عموماً.
وتطرق الناقد السينمائي التونسي هادي خليل إلى «صور النساء في السينما التونسية» محللاً إياها من خلال الكثير من الأفلام، وشارحاً ما تعكسه من تغير في وضع النساء الاجتماعي والقانوني منذ إصدار «مجلة الأحوال الشخصية» من طرف حبيب بورقيبة سنة 1956. وبالرغم من ثراء محتواه، يبدو هذا العمل أشبه بالبحث الفني منه بالبحث الاجتماعي، هذا فضلاً عن أن كاتبه يوكل للسينما مهمات نضالية كـ«تصدر طلائع الحركة النسوية»، و«إنارة الضمائر»، وتحريك جمود الذهنيات.
ويختتم الكتاب بحثاً تاريخياً يدرس فيه المؤرخ الفرنسي بيار فارميران بدقة تطور «صورة حاملات الشهادات في المجتمعات المغاربية» على ضوء التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها بلدان المغرب الكبير منذ منتصف القرن الماضي، مؤكداً أن هذه الصورة أصبحت بالغة التأثر بما تبثه وسائل الإعلام، وخصوصاً منها قنوات التلفزيونات الفضائية. وأعاد هذا الباحث تكوين الخيط الدقيق الذي يربط «زمن الرائدات» ممن طرقن أبواب المدارس إبان الاستعمار، والوقت الحالي الذي ارتقت فيه المغاربيات إلى كل الوظائف تقريباً دون أن يؤدي ذلك، لسوء الحظ، إلى زحزحة الرجال من المراكز الاجتماعية الأساسية، مراكز اتخاذ القرار.
ولاحظ بيار فارميران في ختام بحثه أن تطور أدوار المغاربيات الاجتماعية لا يزال محدوداً، كما هي الحال في باقي المجتمعات المتوسطية، بـ«سقف زجاجي» يمنعهن من تجاوز مستويات معينة، وأن من نجحن منهن في تقلّد مسؤوليات كبيرة محرومات من أنشطة بسيطة عادة ما ترافق هذه المسؤوليات كـ«غذاءات العمل» و«لقاءات نهاية الأسبوع» مع الزملاء.

* صحافي جزائري