لا تزال مياه بلدة دنبو في عكار عرضة للتلوث بسبب انتشار الجور الصحية حول نبع البلدة الأساسي وبين الآبار الارتوازية. وفي ما يبدو، لم تكن وفاة سبعة من أبناء البلدة بسبب تلوث مياه الشفة في عام 1990 دافعاً كافياً لتحرك المراجع المختصة، لتمديد شبكة للصرف الصحي. ويستمر أهالي البلدة بالشرب، وهم يعيشون تحت وطأة خطر تجدُّد الكارثة من جديد
عكار ــ روبير عبد الله
بين مخاطر الإصابة بجرثومة تنتقل عبر المياه الملوثة، والتمنّع عن استخدام فلاتر المياه، ما زال بعض أبناء دنبو في هضاب عكار يخاطرون بشرب المياه المتدفقة من عين البلدة، غير آبهين بعواقب سبق أن ذاقوا مرّ طعمها يوم سبّب تلوث المياه في بلدتهم وباءً أوقع مئات الإصابات، ولم تحل المعالجة دون وفاة سبعة منهم. كان ذلك مطلع تسعينيات القرن الفائت.
اليوم، لا يزال الفقر يلف دنبو. أما أهلها فبعضهم يعملون في بساتين الزيتون في أملاكهم الخاصة، والبعض الآخر بالأجرة في القرى المجاورة، وبخاصة في بلدة بقرزلا. لكن ذلك في الحالتين، لا يكاد يكفي لمؤونة البيت زيتاً وزيتوناً، ولشراء القليل من الحاجات.
الدخل الأساسي للمقيمين يأتي من طريق المتطوعين في المؤسسة العسكرية، فمن دخلهم تنطلق الدورة الاقتصادية في البلدة. وبسبب قلة العمل سافر الكثيرون إلى الخارج، وفي كل أسرة مهاجر يؤدي دوراً يعوَّل عليه كثيراً للنهوض بأعباء الباقين ممن استمروا متشبِّثين بالأرض. هؤلاء الباقون لا تنقصهم المعرفة بمخاطر التلوث. فابن عكار ما عاد يُحسَب على جيل مدرسة «تحت السنديانة». لكنّ شيئاً ما يدفعهم لرفض استخدام الآبار الارتوازية التي فاق عددها 250 بئراً، على ما يرويه حسين طالب، رئيس بلدية دنبو. إذ يرفض أهالي دنبو أن تتحول بلدتهم إلى سوق لبيع أجهزة الفلترة التي فاق سعر الواحد منها 500 دولار، فضلاً عن الصيانة الإلزامية كل 3 أشهر بكلفة 25 دولاراً. وربما اجتاح بعض أهلها حنين إلى زمن مضى، بعدما غزت الحداثة بلدتهم من دون أن تستطيع جعل تلك القرية بلدة عصرية، أي تتوافر فيها البنى التحتية المناسبة للتضخم السكاني الذي استفحل في العقود الأخيرة.
«كانت عين البلدة توفّر ماءً عذباً، يقول رئيس البلدية، نأخذ منه حاجتنا للشفة والباقي نسقي به مزروعاتنا. أما الآن، بعد التكدس العمراني الهائل الذي أحاط العين من كل صوب، وبعد انتشار الجور الصحية بما لم يسبق له مثيل، فقد ارتفعت نسبة التلوث في مياه العين، وهو ما لم ندرك مخاطره إلا بعد حصول الكارثة في عام 1990، عندما أودى تلوث المياه بحياة سبعة من أبناء البلدة».
إثر ذلك عمد أهالي البلدة إلى حفر آبار ارتوازية، لكنها لم تقضِ على المشكلة، لأن مصدر التلوث واحد، أي انتشار الجور الصحية. الفارق بين بئر وأخرى هو نسبة التلوث تبعاً لارتفاعها، وبالتالي لتراجع كمية المياه المبتذلة التي تتسرب إليها. يضيف رئيس البلدية أنه بعد الاتصال بالمراجع المختصة، «كلّفتنا مصلحة مياه الشمال إحضار عيّنات من مياه الآبار، فأُحضر ما يزيد على 150 عينة، ليتبين بعد الفحص أن معظم الآبار ملوثة بنسب تراوح بين 36 و78 بالمئة، ما يعني أن مياه تلك الآبار كلها غير صالحة للشرب. وبعد شيوع أخبار تلوث المياه انهالت علينا شركات تكرير المياه، حتى شعرنا بأننا أصبحنا سوقاً. ثم تيقنّا بأنه لا يمكن حلّ المشكلة إلا عبر تمديد شبكة للصرف الصحي».
وجهت البلدية كتاباً إلى مجلس الإنماء والإعمار، مرفقاً بعيّنة تظهر نتائج فحوص المياه. «وجهنا كتاباً آخر إلى السفارة الأميركية، يقول طالب، فجاءنا جواب شكر».
ويضيف: «كذلك أرسلنا كتاباً لمؤسسة الوليد بن طلال في عام 2005، ولم نحصل إلا على عبارة: الموضوع قيد الدرس».
لكن ذلك لم يفتّ في عضد البلدة «في عام 2006 وجهنا كتاباً إلى الاتحاد الأوروبي، لكن التجاوب جاء ضمن إطار مغاير لما نعانيه. إذ أرسل الاتحاد الأوروبي فريقاً إلى البلدة، وأجرى استطلاعاً أولياً، ثم تحدد جملة مشاريع، كلفتها نحو 300 ألف يورو، وهي عبارة عن مستوصف وسواقٍ للري ومركز اجتماعي للتنمية وملعب رياضي». كان جواب البلدية الأوّلي أنه «قبل الشروع بتوفير ملاعب، يجب أن يبقى أهل البلدة أحياءً، فنحن بحاجة إلى شبكة للصرف الصحي. لكننا وافقنا على تنفيذ المشاريع حتى لا نخسر الهبة، وهو مشكور على أي حال، لأنه قدّم لنا ما كان من واجبات الدولة القيام به».
وبالعودة إلى عين البلدة، ما الذي يحصل الآن؟ يقول رئيس البلدية: «ما زلنا نشرب منها رغم تلوثها، فالبعض غير قادرين على دفع ثمن جهاز التكرير أو توفير كلفة صيانته، والبعض الآخر لا يستسيغ مياه الفلاتر، فنحن وأهلنا تعوّدنا الشرب من عين الضيعة». في الشتاء يتغير لون المياه في العين بسبب السيول، فيمتنعون عن استخدامها، وبدءاً من أول نيسان تعود المياه إلى صفائها الظاهر على الأقل. لا يخفى عليهم وجود جراثيم في داخلها، فهي «لا تحتاج إلى فحوص مخبرية»، يقول طالب. ويستذكر أن فريقاً تلفزيونياً زارهم مرة «وانحنى المصوّر ليقترب من فتحة العين ويصور الحشرات الصغيرة وهي تخرج مع المياه، ومع ذلك ما زال بعضنا يستعمل مياه العين كما هي».
ويقول المزارع محمد خضر إن الآبار الارتوازية، على مساوئها، لا يملكها الناس جميعاً. فهو وكثيرون غيره، يشترون المياه من أصحاب الآبار الارتوازية المجاورة لمنازلهم، وليس بإمكان الجميع شراء أجهزة للتكرير.
وبمراجعة مؤسسة مياه لبنان الشمالي في طرابلس، أفاد مصدر بأن المؤسسة معنية بإدارة المشاريع القائمة واستثمارها في حال وجودها، أما عملية تمديد الشبكات، سواء أكانت للصرف الصحي أم لمياه الشفة، فهي تتعلق بمجلس الإنماء والإعمار أو بوزارة الموارد المائية والكهربائية، أو ربما بوزارة الأشغال. مصدر آخر من مكتب عكار التابع لمؤسسة مياه لبنان الشمالي لم ينفِ علمه بمشكلة المياه هناك، لكنه أفاد بأن بلدية دنبو هي التي تشرف على شؤون المياه في البلدة، ما دامت لم تسلِّم المياه للمؤسسة.