القاهرة ــ أحمد الهواريعام مضى على أول حادثة اعتقال تعرّضت لها، يوم السادس من إبريل (نيسان) الماضي، حين ضجت شوارع المحروسة بغضب أهلها وسخطهم.
وعلى الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى التي أشارك فيها في فعاليات الحراك السياسي، الذي شهده الشارع المصري ابتداءً من عام 2005، إلا أنها كانت المرة الأولى التي أتشرف فيها بركوب سيارة الترحيلات الزرقاء التي نطلق عليها اسم «العمبوكة».
وعلى الرغم من أن ما تعرضت له كان مجرد توقيف وليس اعتقالا، إذ إن الأمن احتجزني صباحاً ثم لم يلبث أن أطلق سراحي في المساء، إلا أن البعض من أصدقائي أصر على توصيفي بـ«المعتقل» وهو شرف لا أدعيه.
لم أتعرض يومها، أنا ومن احتجزوا معي من منطقة وسط البلد، للضرب أو للتعذيب المباشر، ليس لأن الأمن «يراعي الله فينا» كما تقول العبارة المصرية، أو لأنه، لا سمح الله، ينتهج السبيل القويم في معاملة الموقوفين، بل لأن وزارة الداخلية بأكملها كانت تتحفظ على الموقوفين في القاهرة وأعينها وآذانها على منطقة المحلة الكبرى حيث اندلعت أعمال العنف على يد عمال المصانع، قبل أن تتحول «هراوة الأمن المركزي» هناك إلى أعيرة نارية تسببت في قتل أطفال لا يدركون بعد معاني الاحتجاج السياسي ولا أساليب ترجمته من تظاهر ولا إضراب. كان ذنب أحدهم، كما صرح أحد رجال وزارة الداخلية بعدها، أنه لا يمتلك «ثقافة عدم الوقوف في البلكونة» في لحظات سياسية كهذه، بما أن رصاص الأمن كان قد اصطاده أثناء وقوفه على شرفة منزله. حادثة لم يجد موظف آخر من الوزارة ذاتها طريقة أخرى لتفسيرها غير «القضاء والقدر».
أوقفت عند الساعة الحادية عشرة صباحاً. كنت بصحبة أربعة من الزملاء نحتسي الشاي في أحد مقاهي وسط البلد المطلة على ميدان التحرير، قبل البدء بيوم العمل الطويل.
فقد كان من المفترض أن نغطّي إعلامياً التظاهرة التي كان مزمعاً انطلاقها من الميدان، لمصلحة المؤسسات التي نعمل بها. لم تغيّر هوياتنا كمراسلين إعلاميين، التي سرعان ما أفصحنا عنها، شيئاً من الاعتبارات في أعين عناصر الأمن. فقد جرى اقتيادنا إلى سيارة الترحيلات بلونها الأزرق المميز لتنطلق بعد قليل السيارة إلى أحد معسكرات الأمن بمنطقة طره جنوب القاهرة حيث بقينا قرابة الساعة.
من هناك، جرى اقتيادنا مجدداً إلى معسكر آخر في منطقة الدراسة، المحاذية لمنطقة الحسين، شمال القاهرة حيث قضينا حوالى ساعتين، بدأ فور انقضائهما أول الانتهاكات، إذ أودعنا مجدداً السيارة، التي رُكنت عن قصد خارج المعسكر تحت حرارة الشمس التي تلهب ربيع القاهرة عند حلول منتصف النهار. لم يكتف الأمن بتلك الحرارة، بل عمدوا إلى إغلاق منفذ التهوية الوحيد في العربة. كدنا نختنق. فقد شعرنا بنقص الأوكسجين لدرجة أن أحد الموقوفين، ويبلغ 16 عاماً من العمر، وقع مغشياً عليه، فيما أصيب آخر، في السن نفسها، بحالة هستيرية سبّبها الخوف والإحساس بالاختناق.
لم نشعر بنعمة الهواء إلا حين شعر عناصر الأمن بتهديد الفضيحة.
فقد ثار كل من كانوا داخل السيارة وأخذوا بالهتاف ضد النظام لإثارة انتباه المارة. عندها فقط، أعادونا مرة أخرى إلى داخل المعسكر لنمضي الوقت في انتظار ما سيحدث. هناك، عصبوا أعيننا، وعرضونا على ضباط أمن الدولة الذين قرروا من سيفرج عنه مساءً ومن سيبقى في ضيافتهم حتى صدور قرار المحكمة بعد خضوعه للتحقيق.