وأنت تمشي في الشوارع، يلفتك أفراد متشابهون ومجموعات متماثلة جداً في المظهر، تختفي عيونهم تحت تسريحات شعرهم، ولا ترى من وجوههم سوى بضعة أقراط، أمّا أكسسوارات الهياكل العظميّة التي يرتدونها فتثير حذر المارة تجاههم. تسأل من هم؟ فيجيبونك إنهم الـEMOS
محمد محسن
«جيل جديد من عبدة الشيطان، منعزلون، يبترون أعضاءً من أجسادهم، وغالباً ما ينتهي الأمر بهم بالانتحار». هذه بعض الصور النمطيّة السائدة عن مجموعات «إيموز» المتزايدة في لبنان. يندر أن تمشي في شارع عام أو زاروب داخلي، أو مركز تجاري وترفيهي دون أن يثير مظهر الـ«إيموز» فضولك. يلبس هؤلاء قمصاناً عليها صور جماجم، يصفّفون شعرهم بطريقة غريبة، وتملأ وجوههم الأقراط.
لكن، عند الاحتكاك بهم، تتداعى الأفكار المسبّقة التي يحملها المجتمع عنهم. لا يشعر الـ«إيموز» بذنب تجاه اغترابهم عن محيطهم، لكن في الوقت نفسه، يبدون انزعاجاً من «وصفنا بالمنعزلين وعبدة الشيطان»، يقول داني عربيد، بعد أن يرفع «غرّة» شعره ليرانا بوضوح.
إذاً من أنتم؟ تبدو إجابة داني مفاجئة «نحن لسنا إيموز، أصلاً ليس هناك إيموز في لبنان». ويتابع شارحاً «نحن posers، نقلّد «إيموز» في الشكل والموسيقى، لا في السلوك». هكذا، يرسم داني ورفاقه بكلماتهم، صورة مغايرة لما هو شائع عن هذه التجمّعات.
نشأت مجموعات الـ«إيموز» في ثمانينات القرن الماضي في الولايات المتحدّة الأميركية، ويعود أصل تسميتهم إلى كلمة emotions الإنكليزية، وترجمتها بالعربية هي مشاعر أو انفعالات. في الأصل، يحمل «إيموز» أفكاراً مستوحاة من موسيقى البنك روك والهيفي ميتل والهارد ميتل (Punk rock, heavy metal, Hard metal). وتفيد المعلومات المنشورة على شبكة الإنترنت، أنّ المنتمين جدياً إلى هذه الفئة، يعانون مشاكل مع محيطهم وعائلاتهم، ويعبّرون بطريقة مفرطة عن عواطفهم ومشاعرهم، وهذا ما يدفعهم إلى الانعزال والتعبير عن ألمهم بتشطيب أجسادهم بآلات حادّة.
تعرّف جاد رزق الله على الـ«إيموز» عبر الإنترنت، لكن هذا التعرّف الافتراضي، لم يكن إلّا سبباً غير مباشر لانتقاله من حياته التي كان يعيشها، إلى حياة الـ«إيموز». يؤكد جاد أن السبب المباشر، هو مشاكل داخل عائلته، ترتبط بتسلّطهم عليه «صار عمري 18 سنة وبدّن يضلّو ماسكيني، وأنا ما حدا إلو معي». يذكر جاد بدقّة الليلة التي طرده فيها والده من المنزل، بعد اعتناقه أفكار الـ«إيموز» وسلوكياتهم. وهذا ما دعاه إلى التمسّك أكثر بهذه الأفكار. يلجأ جاد إلى تشطيب يديه كلّما شعر بالانعزال والحزن الشديدين، ويشير إلى أنّ الوجع الناشئ عن التشطيب «يخرجني من حالة الألم النفسي التي أعيشها». يقضي وقته بعد المدرسة، مع صديقته التي تشاركه الأفكار ذاتها. يذهبان إلى أماكن عامة، لكنّ عمومية هذه الأماكن لا تمنعهما من الانعزال: «نحن مرتاحان هكذا».
خلافاً لجاد، يعيش هادي جبيلي حياة تخلو من المشاكل مع محيطه الاجتماعي والعائلي، وفي الوقت نفسه، يقول إنّه «poser» أي مقلّد للمظهر الخارجي للـ«إيموز». إذاً، ثمّة حالة أخرى، يعبّر هادي عنها. «ليس كل من استمع إلى موسيقى التيك تونيك، أو ارتدى حذاء الـconverse منهم»، يقول، قاصداً الـ«إيموز». ويؤكد أنّ كثيرين لا ينتمون إلى هذه المجموعات إلا عبر المظهر الخارجي.
يسهل التأكّد من صحة ما يقوله هادي، وخصوصاً عندما تنتشر قصّات الشعر والملابس والأكسسوارات الخاصة بالـ«إيموز» في كثير من الأمكنة. هكذا، يعرض تجّار الملابس في الضاحية الجنوبية على واجهات محالّهم، أحذية الـ«إيموز» وقمصانهم، وكذلك الأمر في بيروت والمناطق الأخرى. ويشير أحد تجار الملابس إلى أنّ «الملابس الملوّّّّّّّّّّنة والمليئة بالهياكل العظمية، باتت موضة منتشرة حالياً والإقبال عليها يرتفع». هذا ما تؤكده نادين الشامي، بعد رفضها تصنيفها في خانة الـ«إيموز»، لمجرّد ارتدائها ملابسهم، وتردّ السبب إلى «انتشار هذه الموضة في المحالّ، فنضطر إلى شرائها».
أمّا على شبكة الإنترنت، فيجد الباحث عن الـ«إيموز»، مجموعات مخصّصة لهم على موقع الفايسبوك. لكنّ المفارقة تحصل، عندما يجد الباحث مجموعات أخرى دينية وغير دينية، ينتسب إليها الأشخاص ذاتهم المنتسبون إلى مجموعات الـ«إيموز». وهذا ما يدعو إلى التساؤل، هل كل من يسمّّى الـ «إيموز»، ينتمي فعلاً إلى هذه المجموعة؟


كلفة
تفاوت أسعار التسريحة


تنتشر أزياء الـEmos من أحذية وقمصان بقياسات مختلفة، وهي تنقسم إلى قمسين: الأوّل يسمّى «Xdye» والثاني «Vans». أمّا بالنسبة إلى قصّات شعرهم، فتبلغ كلفتها في صالونات الأحياء الشعبية، قرابة 10 آلاف ليرة، بينما يكون السعر أغلى بكثير، في صالونات الحلاقة في الأحياء الراقية.


ينتقد حسين قمح ظاهرة الـEmos، ويبدي انزعاجاً من السلوكيّات التي يتّبعونها. فهو إذ يشدّد على أهميّة عنصر «الرواق» في الحياة، لا يحبّذ انعزالهم المفرط عن محيطهم الاجتماعي والعائلي، ولا يستطيع أن يتخيّل كيف يشطبون أجسادهم ويؤذون أنفسهم


يؤكد بيبو برجي رفضه لأن يكون من الـEmos، رغم شغفه بالموسيقى الغربية. وهو لا يجد رابطاً بين الاثنين. يرفض ذهابهم بعيداً في التعبير عن مشاعرهم، وبطريقة مؤذية. لا يفهم كرههم للحياة، لأنه ببساطة «فيها أشياء كتير حلوة»