يخالف بعض فقراء الضاحية القانون. حقيقة لا ينكرها أحد. فهؤلاء الذين نزحوا من قراهم قبل الحرب الأهلية وخلالها، يريدون أن يسكن أبناؤهم في الأرض التي ولدوا وكبروا عليها. وفي مقابل هؤلاء، لم تقدّم الدولة حتى اليوم سوى الحل الأمني
محمد نزّال
بات موضوع مخالفات البناء في الضاحية الجنوبية كقصة «ابريق الزيت». ادّعاء من هنا، ونفي من هناك. يبدأ مواطن بالبناء من دون الحصول على ترخيص لازم. تتدخل القوى الأمنية لقمع المخالفة، فتحصل مواجهة مع السكان. تنتهي المواجهة حيناً بإزالة البناء المخالف، وأحياناً أخرى بإطلاق نار يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى.
في شباط الماضي، أطلق أحد سكان منطقة الكوكودي النار على سيارة للشرطة، واحتجز ضابطاً ومرافقه قبل إطلاقهما، إثر إزالة رجال الدرك مخالفة بناء. ويوم 26/10/2006، سقط طفلان برصاص أطلقه رجال من الأمن الداخلي أثناء محاولتهم إزالة مخالفات بناء في منطقة الرمل العالي. وبين الحادثين، أصيب ضابط من الأمن الداخلي بطلق ناري في رأسه، خلال قيادته دورية لإزالة مخالفة بناء في منطقة حرج القتيل. لكن القوى الأمنية أزالت البناء المخالف ولاحقت مطلق النار وأوقفته. وفضلاً عن ذلك، حصلت عشرات الحوادث التي تستغل فوراً للطّعن بأهالي الضاحية وتصويرهم خارجين عن القانون و«سلطة الدولة».
الخلافات المذكورة حطّت رحالها، مساء أول من أمس، في برج البراجنة ـــــ حي المنشية. فقد ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أمس، أن دورية لقوى الأمن الداخلي مُنعت من قمع مخالفة بناء في المنطقة المذكورة، بعدما تدخل بعض الأشخاص وطلبوا من عناصر الدورية المغادرة، وبعدما عمد آخرون إلى قطع الطريق بعدد من السيارات، ما حال دون إتمام الدورية
لمهمتها.
بيد أن هناك رواية أخرى عن أصل الحادثة. فمفوض الشرطة في بلدية برج البراجنة حسّان جلول نفى علمه بحصولها أساساً. ولفت إلى أن البلدية عمدت إلى تحرير محضر ضبط بحق أصحاب البناء غير الشرعي، وجرى رفعه إلى السلطات المختصة في بعبدا، ليأخذ مساره القانوني. «هذا كل ما في الأمر، ولو حصل أكثر من ذلك لكنا نحن في البلدية علمنا به». وذكر عدد من سكان المنطقة أن الخلاف الذي وقع في المنطقة ناجم عن بناء مخالف تم تشييده من دون تدخل قوى الأمن الداخلي في المنطقة، إلا بعد إتمامه، فصار هدم المخالفة بحاجة إلى قرار قضائي.
مشكلة الأبنية المخالفة في الضاحية الجنوبية تحتاج إلى أبعد من معالجة أمنية، على ما يقول عدد كبير من سكان المنطقة. رئيس بلدية برج البراجنة، محمد الحركة، الذي تقع معظم المناطق المبنية بطريقة مخالفة منذ عشرات السنين ضمن نطاق بلديته، قال لـ«الأخبار» إن نحو 99 في المئة من المباني المخالفة مبنيّة على أراض لا يملكها أصحاب المنازل. ففي الأوزاعي مثلاً، يوجد عقار ضخم مساحته نحو مليون متر مربع، وهو مملوك من آلاف الأشخاص. ومعظم السكان يملكون أسهماً في العقار المذكور. وحل مشكلة الأوزاعي وجميع المناطق الواقعة غرب طريق المطار (الأوزاعي، حرج القتيل، جزء من صبرا، بئر حسن، السلطان ابراهيم، السان سيمون..) مشمولة بمشروع إليسار. لكن الخلافات السياسية والقانونية لا تزال تقف حائلاً دون البدء بتنفيذ المشروع الذي سيحل مشكلة الأبنية المخالفة في هذه المنطقة. وتوقع الحركة ألا يتأخر بدء تنفيذ المشروع المذكور.
أما المناطق الواقعة شرق طريق المطار، كمنطقتي الرمل العالي والكوكودي مثلاً، والمبنية بمعظمها على أملاك الآخرين، فيشير الحركة إلى عدم وجود مخطط لحل مشكلتها. لكنه يأمل أن يتم ضمها إلى مشروع إليسار في حال تنفيذه. وحتى ذلك الحين، تستمر بلديات المنطقة بتنظيم محاضر بحق المخالفين، وإحالتها على القضاء المختص، مطالبة السلطات الأمنية بتعزيز حضورها في المنطقة.


القرار والرّشى

أكّد مسؤولون في حزب الله لـ«الأخبار» أن الحزب أصدر قبل مدة طويلة قراراً منع فيه أيّاً من محازبيه ومسؤوليه المحليين من التدخل لتغطية مخالفات البناء في الضاحية. ورغم ذلك، فإن جميع الحوادث التي تحصل يستخدمها خصوم الحزب كدليل على خروجه عمّا يسمونه «منطق الدولة». وتنتشر بين أهالي المنطقة شائعات عن تقاضي ضباط من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي رشىً، مقابل غضّهم النظر عن المخالفات، وهو ما لا ينفيه مسؤولون رفيعون في المديرية.