مضى نحو 4 سنوات على اعتقال 4 من قادة المؤسسات الأمنية والعسكرية للاشتباه بضلوعهم في اغتيال الرئيس الحريري من دون أن تُعرض الدلائل القانونية على ذلك، ما أدخل القضية في حلبة مصارعة بين السياسة والعدل. كيف يستعدّّ الفريقان لانتقال الاختصاص القضائي المنتظر هذا الأسبوع من بيروت إلى لاهاي؟
عمر نشابة
لا يُخفى على أحد بأن لإخلاء سبيل الضباط الأربعة أثراً سياسياً، إذ إنه قد يلحق ضرراً بتيار رَفَعت جماهيره الغفيرة صورهم في مهرجاناتها الحاشدة، متّهمة إياهم بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن يبدو أن انشغال السياسيين بصراعات انتخابية (في ما بينهم أشدّ من ضدّ خصومهم) يبعدهم عن حلبة مصارعة السياسة للعدل. وبينما ينهمك قضاة النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي القاضي صقر صقر في عملية جمع محاضر التحقيق والمستندات والأدلّة الجنائية والتسجيلات الصوتية والصور الفوتوغرافية والأفلام ونتائج تحليلات المختبرات الجنائية وغيرها مما يتعلّق بالتحقيقات التي أشرفت عليها السلطات القضائية اللبنانية منذ 14 شباط 2005، يجمع الضباط المعتقلون الأربعة أغراضهم الشخصية في السجن المركزي استعداداً للخروج إلى الحرّية، وربما للعودة إلى حلبة الصراعات السياسية. وكانت لجنة التحقيق الدولية قد سلّمت عائلاتهم، عبر القضاء اللبناني، بعض المضبوطات لديها.
الصناديق التي ستتضمّن محاضر التحقيقات والأدلة ستنقل إلى مقرّ المحكمة في لايتسكندام (لاهاي) خلال هذا الأسبوع كما لمّح مسؤولون قضائيون. غير أن القضاء اللبناني لا يمتلك الوسائل اللوجستية لإرسالها بنفسه إلى لاهاي، ما سيتطلّب الاستعانة بالسلطات التنفيذية. ولهذه الأسباب، يُخشى أن يطرأ تأخير في عملية النقل، وخصوصاً مع تراجع الحماسة السياسية لمعرفة «الحقيقة» بعد انتقالها من خلاصات ميليس إلى تصويب بلمار.
ويفترض مهنياً أن تتضمّن الصناديق، إضافة إلى محاضر التحقيقات التي قام بها المحققون العدليون، القضاة: ميشال أبو عرّاج، الياس عيد وصقر صقر، إشارة واضحة إلى سبب تنازل الأول واستبدال الثاني، إذ إن ذلك من مقتضيات التحقيق الجنائي بحسب المعايير الدولية، بحيث إن التشكيك في صدقيّة المشرف على التحقيق يشمل التشكيك في نتائجه.

في مكاتب لاهاي

إن وزن الصناديق المرسلة من قصر العدل في بيروت إلى مقرّ المحكمة في لاهاي لن يقاس بالكيلوغرامات، بل بمدى تطابق مضمونها مع المعايير الحقوقية الدولية. وسيتسلّم القاضي فرانسين الصناديق فور وصولها إلى مقرّ المحكمة الخاصة ويرسلها إلى المدعي العام الدولي دنيال بلمار للتدقيق بمضمونها ودراسة احتمال استخدامها (أو بعض منها) في ملفّ التحقيق الدولي. ويذكر في هذا الإطار أن القاعدة الثالثة من نظام الإجراءات والأدلّة تضع القانون اللبناني في المرتبة الرابعة عند تفسير مضمون القواعد وتسبقه «بالأولوية» (in order of precedence) أولاً معاهدة فيينا (1969) وثانياً المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وثالثاً المبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي. ويأتي القانون اللبناني في أسفل اللائحة. يعني ذلك أن بعض ما في الصناديق لن يؤخذ به، إذ إن بعض الإجراءات والأساليب المتبعة وفقاً للقانون المحلي في عملية جمع الأدلّة والإثباتات والتحقيقات الاستنطاقية والترجمة لا تتناسب مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولا مع المبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي.

المهلة 23 نيسان

إن مهلة تقيّد السلطات اللبنانية مع طلب قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين تتجاوز 14 يوماً. فالقاعدة 17 من نظام الإجراءات والأدلة الخاصة بالمحكمة تشير إلى أن لدى السلطات اللبنانية مهلة 14 يوماً للانصياع لطلب قاضي الإجراءات التمهيدية: 1- تنازلها عن الاختصاص القضائي في قضية اغتيال الرئيس الحريري و2- نقل كل وثائق التحقيق والأدلة إلى مقرّ المحكمة و3- إرسال لائحة بأسماء الأشخاص المعتقلين رهن التحقيق إليها. كما ذكرت القاعدة 17 أن سريان المهلة يبدأ لحظة وصول نصّ الطلب إلى السلطات القضائية اللبنانية، وهو الأول من نيسان الجاري. ولم يتنبّه البعض، بمن فيهم كبار القضاة، إلى أن المقصود بـ14 يوماً أيام العمل العادية، وبالتالي فإن أيام عطلة نهاية الأسبوع والعطل الرسمية في هولندا لا تُعدّ. وبعد تدقيق حسابي بسيط يُخلص إلى تحديد يوم الخميس 23 نيسان موعد نفاد المهلة.

ما بعد لاهاي

سيصار، بحسب القاعدة 17 من نظام الإجراءات والأدلة، إما إلى اتخاذ قاضي الإجراءات التمهيدية قراراً بتوجيه الأمر إلى السلطات اللبنانية بإخلاء سبيل الضباط فوراً، أو إلى مواجهة القاضي لكلّ واحد منهم عبر التواصل الإلكتروني بالصورة (video conference) تمهيداً لإصداره مذكرة توقيف ونقل أي منهم أو جميعهم إلى سجن سخيفنينغن في شمال مدينة لاهاي، حيث يقع قسم خاص بالموقوفين في قضية الحريري.


بلمار يؤكد والقضاء ينفي