يردد الطفل ما يسمعه في بيته، سواء كان كلاماً جميلاً أو ألفاظاً نابية وشتائم، ولكنه قد يتخطى المعقول حين يتلفظ بما لا يقوله الأهل وما لا يسمحون به. يواجه بعض الأهل مشاكل مع أطفالهم بسبب الكلام البذيء الذي يرددونه، فمن أين يأتي الطفل بالألفاظ السيئة؟ وهل الأهل وحدهم مخزون لهذه العبارات؟ أم أن هناك مصادر أخرى لتلك الكلمات؟ وما الذي يدفع الطفل للتلفظ بالشتائم؟

دعاء السبلاني
«يقف سامي (4 أعوام) غاضباً أمام أخته التي أخذت لعبته، يحاول استعادتها لكنه يفشل. ينظر إلى شقيقته وتنهال الشتائم عليها «يا حمارة عطيني اياها»، لا تنجح المحاولة الأولى فيزيد الشتائم ويضرب أخته، وحين تتدخل الوالدة، يشتمها قائلاً «إنت حمارة وحيوانة متلا» فتجيبه بـ«يا كلب بلا أخلاق عم تبهدلني والله بدي أقبرك»، عندها يردد الولدان ما سمعاه من الأم.
سلام فوزي من جهتها تتحدث عن مشكلة ابنتها سحر (5 أعوام)، الطفلة اعتادت على ترديد ألفاظ نابية «حين كانت تقوم بتصرفات غير لائقة أو تحدث إزعاجاً، يغضب أخوها (20 عاماً) منها ويشتمها فترد عليه بالكلام ذاته، والأسوأ أن الأب يبتسم لما تقوله «آخر العنقود» فهي مدللته ولا يسمح بتوجيه أي ملاحظة لها».
تصنف الدكتورة فاطمة هاشم، أستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، الألفاظ النابية والشتائم ضمن العنف اللفظي المنطلق من الذات نحو الخارج، وهي نوعان إما تشبيه الإنسان بالحيوان أو استخدام الكلمات الجنسية باعتبارها أسوأ أنواع الشتم وأكثرها تحقيراً للآخر، تقول هاشم «يُستخدم العنف اللفظي حين يكون الطفل غير قادر على استعمال طاقته الجسدية للضرب، وقد يحل العنف اللفظي محل العنف الجسدي نتيجة خوف الطفل من العقاب إذا استخدم أسلوب الضرب». تلفت هاشم «يجب أولاً معرفة مستوى التربية داخل البيت، أي هل يشتم أفراد الأسرة بعضهم بعضاً؟ حينها يعمد الأطفال إلى الشتم للدفاع عن أنفسهم في مواجهة عدوانية الآخرين، البعض الآخر يستخدم الشتم وسيلة لتفريغ طاقته الداخلية المؤزَّمة كالقهر، وكلما كانت الشتيمة مهينة فإنها تفرغ طاقة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يستمر الطفل بالشتم إذا وجد استحساناً لذلك من جانب الأهل أو الأصدقاء».
تؤكد هاشم أن ثمة أطفالاً يرددون ألفاظاً نابية دون معرفة معانيها، وترد السبب إلى النتيجة التي تحققها الشتائم «في القيم الأخلاقية للطفل مفهوم الشتم لم يتكون بعد، ولكنه ينتبه إلى ما أثاره السُّباب عند الآخر من انزعاج أو قهر أو غضب».
ليس الأهل وحدهم مصدراً للألفاظ النابية، بل تتنوع المصادر وتلعب المدرسة دوراً بارزاً في اكتساب الطفل تلك الألفاظ. تقول سيلين م. والدة الطفل ريان (4 سنوات) «في البيت لا نستخدم لغة الشتائم ولا نعرفها، فوجئنا بريان يشتم إخوته وأولاد أصدقائي وأقاربي. لاحظت أنه تعلم الشتم عندما بدأ بالذهاب إلى المدرسة». الشتائم التي يتلفظ بها ريان تحرج والدته «وخاصة وسط زملائي من الأطباء وأصدقائي».
سيلين أبلغت إدارة مدرسة ابنها بأن بعض التلامذة يعلمونه ألفاظاً غير مهذبة، وطلبت من الأساتذة أن يراقبوه ويبعدوه عن «هؤلاء السيئين»، لكن ذلك لم يُجدِ نفعاً، إذ حاول الطفل التقرب منهم أكثر لأنه يحبهم ولا يريد الابتعاد عنهم.
هنا تلفت هاشم إلى أن محاولة إبعاد الطفل عن أصدقائه أمر خاطئ، لأن ذلك يزيد من تعلقه بهم «يجب أن يشرحوا له سيئات الكلمات النابية ليمنع هو بدوره رفاقه من قولها».
لارا عيسى (6 أعوام) «كانت تصرخ وتكسّر ما يعترض طريقها من أغراض إذا لم ننفذ لها ما تطلبه كاصطحابها في نزهة أو شراء شيء ترغب به، عندما بلغت الرابعة من العمر صارت تستخدم ألفاظاً نابية لشتم أصدقائها خلال اللعب، وتشتم رفاقها في المدرسة وخاصة أولئك الذين يحصلون على درجات أعلى منها في الامتحانات».
المعالجة النفسية والاختصاصية في علم النفس العيادي كلوديا نعمة، تعرّف الشتائم بأنها جزء من السلوك العدواني ومن ضمنها العدوانية في الكلام وتقول «من عمر العام إلى العامين يعبر الطفل عن عدوانيته بالصراخ أو بتحطيم أغراض، وبين العامين والثلاثة أعوام يُظهر العناد أو يعضّ الأولاد الآخرين أو يمسك بشعورهم، ثم يبدأ السلوك العدواني اللفظي بالتبلور في عمر الأربعة أعوام أي عندما يذهب إلى المدرسة حيث يتعرف إلى معاني الكلمات، ويمكن أن يستمر هذا السلوك عندما يكبر».
تلفت نعمة إلى أن الطفل «يندفع إلى الشتم كردة فعل على الإحباط أي كوسيلة لإيذاء الآخر الذي منعه من تحقيق هدفه. كما يحاول الطفل من خلال الشتم إدخال الآخر في لعبته الخاصة كأنه يتلاعب به، وأحياناً يتلفظ الطفل بالسُّباب نتيجة للفوضى الموجودة في منزله» وتتابع «كما يمثّل التلفزيون أحد المصادر التي يتعلم منها الطفل الألفاظ النابية. وينضج السلوك العدواني اللفظي في ظل تقصير المربّين أو حين تتحول الشتائم إلى وسواس يُكرر دون وعي».


ابحثوا عن الدوافع

تشير المعالجة النفسية كلوديا نعمة إلى أن بعض الأطفال يشعرون بالذنب بعد شتم الآخر، لأن تكوين شخصيتهم لم يكتمل بعد وسلوكهم يتراوح بين السلوك العصابي، حيث يشعرون بالذنب، وسلوك الانحراف (عندما لا يشعرون بالندم). أما عن العلاج فتقول نعمة «يحتاج الطفل، الذي يميز بين الصح والخطأ، إلى علاج نفسي عندما يفشل الأهل في تربيته، لأن الشتم يكون واجهة لمشكلة في داخله ووسيلة لتفجير غضبه. والأسلوب المعتمد خلال جلسات العلاج النفسي التحليلي هو أولاً معرفة الدوافع ثم ننتقل إلى أسلوب المناقشة أو الرسم أو وسائل اللعب، وإذا لم يكن أهله هم المثال الأعلى له نبحث عن بديل لذلك المثل الأعلى» وتضيف «أحياناً يحتاج الأهل أيضاً إلى علاج فنعلمهم أساليب التربية الصحيحة وطريقة التعامل مع الطفل».