عمر سعيدكان دخان سيجارتها يغطي الوجوه المحيطة بها التي أرهقها السفر.
كانت اللبنانية الوحيدة في السيارة المتجهة من عمان إلى بيروت، والمكتظة بعمال، معظمهم من المصريين، يقصدون لبنان بحثاً عن لقمة العيش.كلما اقتربنا من نقطة تفتيش، كانت وتيرة توترها تتصاعد. بادرتني بالحديث طلباً للمساعدة على كتابة رسالة قصيرة على هاتفها الخلوي. لم أتوقع أن تكون هذه الشابة التي لا يزيد عمرها عن خمسة وعشرين ربيعاً، تجهل الكتابة والقراءة.«ابني مريض بالمستشفى بلبنان، لازم شوفو، أخدت إجازة من الشغل»، قالت، لأصوغ من كلماتها الرسالة المطلوب إرسالها.وحين جاء الرد، ضحكت كثيراً، فمتسلّم الرسالة لم يكن هو المقصود.
عندها، بدأنا باستعراض عدة رسائل مخزّنة في هاتفها، بحثاً عن الرقم الصحيح. كانت جميع الرسائل موجّهه إليها، لكن بأسماء مختلفة، حتى عن ذلك الذي عرّفتني إلى نفسها به، والذي سرعان ما انكشف زيفه عند أول نقطة جوازات. «هذه سنّة العاملات في الملاهي الليلية»، قالت لي مبرّرة.
انتهزت الفرصة لإخراج ما في جعبتها من حديث، كأنها لم تتحدث قط عن أمورها الشخصية قبل ذلك، فاستغلّت فرصة البوح المتاحة. ولدت في بيروت لكنها لا تحمل سوى جواز سفر سوري. أخبرتني عما يمنعها من العمل في ملهى ليلي في بيروت، ما سيتيح لها أن تظل بجوار ابنها المريض. حدثتني عن الأزمات التي ستتفجّر عندما تتقدم للأمن الداخلي بطلب رخصة عمل في ملهى ليلي، غير الفضيحة التي ستواجهها وأهلها، وعن موانع أخرى تتجاوز الصعوبات الإجرائية الرسمية. فهناك خصوصية للزبون في عمان شرحتها قائلة: «رغم إنو بنعمل بعمان ذات اللي بنعملو ببيروت، منفتح شمبانيا ومنرقص قدام الزبون، إلا إنو الزباين بعمان اكتريتن عراقيين، سهل ينضحك عليُن، والحساب بيوصل 3 الاف دولار، لكن بنفل لبيوتنا بعد السهرة، وما بيسأل حدا علينا.. أما ببيروت، فالموضوع مختلف، الزباين معظمهم من الخليج، وما بيكتفوا بسهرة المحل، بيطلبوا دايما «سهرة تانية» خاصة من بعدها».
سمر، غرام، فرح، مهما ما كان اسمها، سعادتها بوصولها بيروت قد تبدو مبالغاً فيها، في ظل ظروفها العصيبة ومرض ابنها الخطير، لكن «بيروت تستحق هذا العناء للوصول إليها، فأختي لم تستطع دخول لبنان لسنوات طويلة، آخر مرة حاولت فيها السفر احتُجزت ثلاثة عشر يوماً على الحدود، رُحّلت بعدها لسوريا».