محمد زبيبلعلّ أبرز ما يميّز الوثيقة السياسية لتيّار المستقبل إقرارها في الأسطر الأولى منها بأنه «لم يعد في الإمكان التأريخ للمرحلة الممتدة لأكثر من 20 سنة بدأت في مطلع الثمانينيات من دون ربطها باسم رفيق الحريري وسياساته»... إن هذا الإقرار، حتى ولو كان واضعو الوثيقة لا يقصدون معناه الفعلي في ضوء التجربة الماضية وما أسفرت عنه من مآسٍ، يشكّل مدخلاً يسهّل قراءة البرنامج الاقتصادي الذي تضمّنته هذه الوثيقة، والذي يحاول الإيحاء بأن من يصرّ على تبنّي مفاهيم «النيوليبرالية»، التي بدأ العالم كله يتملّص منها، يمكن أن يؤمن فعلياً بمفاهيم «العدالة الاجتماعية»، تماماً كإيمانه بأنّ «السرية المصرفية هي من العناصر التي تبرّر وجود لبنان ودوره في الشرق»!
فالبرنامج يقدّس النموذج الاقتصادي القائم في لبنان، والذي أحسن الرئيس الراحل رفيق الحريري إدارته وتعظيم منافع البعض منه. فهو لا يطرح تغييراً فيه، بقدر ما يطرح إزالة ما بقي من مطبّات تعترض ديمومته، لكي يصبح نموذجاً نهائياً يوازي نهائية الكيان اللبناني بصورته المعروفة... ولذلك يكرّر ما درجت عليه الأدبيات «الحريرية» من أن النمو وحده كفيل بتحقيق الرفاه الاجتماعي، من دون إقامة أي اعتبار لنوعية هذا النمو ومصادره وكيفية توزيعه. فالمسألة تبدو «ميكانيكية» لا تحتاج الى تدخّل أو برامج تنموية موازية، إذ إن البرنامج يقول بصراحة «بأن تحسين مستوى المعيشة في لبنان يتطلب فقط ارتفاعاً مطرداً في حركة الاستثمار ومعدلات النمو الاقتصادي»... لقد جرّب اللبنانيون ذلك دائماً، ولم يحصدوا سوى المزيد من التركّز في الثروة واتساع دائرة الفقر وانهيار الفئات الوسطى.
والأنكى من ذلك، أن البرنامج يكرر أيضاً ما معناه أن الخصخصة هي السحر والترياق لكل شيء، بل هي المدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية نفسها. فينص على أن «تحفيز النمو، الذي يحقق الرفاه، يتطلب تحرير الاقتصاد من القيود التي تعوق استفادته الكاملة من العولمة المتسارعة، كاحتكار القطاع العام لعدد من القطاعات التي دفع الشعب اللبناني كلفة باهظة جداً بسبب احتكارها، وقطاع الكهرباء أوضح مثال على ذلك»... أما دور الدولة فيجب أن يقتصر «على استنهاض المجتمع الأهلي للمشاركة في القضاء على الفقر، وتشجيع القطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار التنموي...»!