كما يلمع نجم في كل فضاء، يلمع على الأرض نجوم. في كل فئة عمرية، يبرز عنصر مميز يصطفيه محيطه استناداً إلى مروحة واسعة من الاعتبارات. وفيما يسهل في المجتمع المدرسي تحديد معايير نجومية التلميذ «الكوول»، تصبح المسألة أكثر تعقيداً في الجامعة بعدما تلامس عالم «الكبار»
رنا حايك
هن بنات ثلاث، فارعات الطول، في الصف الثاني المتوسط، يولين مظهرهن اهتماماً بالغاً. ينغلقن على أنفسهن عبر دائرة ثلاثية محكمة الإغلاق. يتجوّلن دائماً معاً. يضحكن بشكل مفتعل وبصوت مدوّ في الملعب الواسع، ولا يحادثن إلا تلاميذ من الصفوف الأعلى، أما زملاؤهن في الصف، فلا يتجرأون على الاقتراب منهن لأنهن «كتير شايفين حالن وبيعتبروا حالن كوول»، كما تقول ميرا، إحدى زميلاتهن.
تمرّ ميرا بجانبهن كل يوم مبتسمة فلا يبادلنها الابتسامة، لكن صديقتها سارة، التي شفع لها أن أختها تلميذة في المدرسة ذاتها في الصفوف الأعلى، توصلت إلى «خرق» الدائرة المقدسة وأخبرت ميرا ما اكتشفته من أن «البنات الطوال مهضومين ومناح، ونحنا يمكن ظالمينن».
ميرا ليس لها أخت في الصفوف العليا في المدرسة، لذلك، لم تحظ بفرصتها سوى في المجتمع الافتراضي، تلك المساحة التي لا مكان فيها للأحكام المسبقة وللهوية، والتي أتاحت لها التحادث مع إحداهن. في ذلك المنتدى على الإنترنت، اكتشفت ميرا هوية محادثتها بعد تبادل بعض الجمل «الإلكترونية» معها، فسارعت إلى كتابة السؤال: «ليش لما ما بتردوا علينا لما نبتسملكن بالملعب؟».
وبعدما أبدت الفتاة اعتذارها لأنها «ما بشوفكن»، كما أجابت، كتبت ميرا: «حقّك والله لأنك كتير طويلة!».
في اليوم الذي تلى حادثة كسر الجليد تلك، وقفت الفتاة لدقائق معدودة مع ميرا وصديقاتها، لكنها سرعان ما انسحبت بعدما اكتشف الجمع أنها «ما عندا شي تقوله». أما الطفرة الوحيدة التي تلت ذلك، فكانت محادثة الفتاة لميرا، لكن على طريق العودة إلى المنزل وحسب، في «الباص»، لا أمام صديقاتها «الكوول» في الملعب.
إلا أن شخصيات التلاميذ تتكوّن مع الوقت، ويكتمل نموّ أهوائهم بوصولهم إلى الجامعة، حيث تختلف المعايير وتتفلت من الموضوعية لتصبح أكثر هلامية وذاتية، وبعد أن تتركّز طاقة النجم في المدرسة على إقصاء الدخلاء من التلاميذ على حلقته الخاصة، يوجه نجم الجامعة هذه الطاقة نحو استقطاب أكبر عدد ممكن من الطلاب، وغالباً ما يقوم بذلك لخدمة هدف انتخابي داخل الحرم.
تذكر رشا الحركة، التي أثارها التحاق سامي الجميل، ابن أمين الجميل، بكلية الحقوق في الجامعة اليسوعية عام 2000. «كان كتير كاريزماتيك ومحبوب، وكان أول واحد دايماً بالمظاهرات». طبعاً، ليست النجومية حكراً على أبناء السياسيين، هنالك طلاب يطوِّرون خلال سنواتهم الجامعية مهاراتهم في مجال الشأن العام.
كذلك، ليست حكراً على من يعملون بالسياسة وبالحملات الانتخابية، فلكل جمهور نجمه الخاص: «الدرِّيسين» يعمّدون الأشطر بينهم نجماً يشرح لهم ما استعصى عليهم فهمه خلال المحاضرة، أو يزودهم بما فاتهم من محاضرات لو غابوا، «الجغليين»، وخصوصاً من كان أهلهم من الطبقة المرتاحة مادياً، أو من ليس لديهم اهتمام بالسياسة يتمثّلون بالـ«أجغل» بينهم، صاحب السيارة الأحدث، أو الملبس الأكثر أناقة.
في الجامعة، يصعب احتكار النجومية، لأن كل فئة تحدّد نجمها بحسب اهتماماتها. وبعدما كان تلاميذ المدرسة ينقسمون إلى صنفين: شاطر ومهذب لا يحظى بشعبية واسعة، أو مهضوم ومشاغب لا يحظى بعلامات عالية سوى عن هضامته، يهبها له زملاؤه في الصف، تتفتت النجومية في الجامعة بين كثيرين يمثلون مختلف الفئات الاجتماعية الموجودة خارج أسوار الحرم الجامعي.


الأطفال ليسوا دائماً ملائكة

تتكرّر ظاهرة النجومية في المدارس. فهناك دائماً ذلك التلميذ «الكوول» الذي تتحلّق حوله ثلة يراقبها زملاؤه من بعيد بأسى المقصيين. أما معايير اكتساب هذا التلميذ نجوميته، فهي واضحة: فهو تلميذ حسن المظهر، مشاغب و«مهضوم» يتجاسر على المعلمة حين يثير موجة من الضحك تحمل معها ملل ساعات الدرس اللانهائية، فتضحك له أحياناً أو تطرده في أحيان أخرى كي لا تكسر هيبتها منهجياً أمام التلاميذ.
بعيداً من «كليشيه» براءة الأطفال، قد يعتمد التلاميذ في سن صغيرة سلوكاً يزايدون بشرّه على أشهر «السفاحين»، ما يؤدي بهم أحياناً إلى سحق الكثير من أقرانهم، وإصابتهم بعقد نفسية يعجزون عن التخلص منها لاحقاً، وخصوصاً لو غابت عنهم رعاية المدرّسين والأهل.