لا يجمع الشباب اللبنانيون الذين عايش بعضهم فترات من الحرب الأهلية وسمع البعض الآخر عنها من أهلهم على موقف واحد من «الأحداث»، ويختلفون في تفسير نتائجها الاقتصادية، النفسية والسياسية ديما شريف
«لا أفهم لماذا نحتفل سنوياً بذكرى الحرب الأهلية! ألا يمكننا نسيانها؟ ألا يمكن أن يمر 13 نيسان كأيّ يوم عادي؟». تتأفف سارة بعد تلقيها رسالة إلكترونية عن ندوة في ذكرى الحرب الأهلية. تجيبها صديقتها رندا أنّه لا يمكن نسيان هذا التاريخ في ظلّ عدم إغلاق ملف الحرب نهائياً وتصالح الأطراف المشاركين فيها. تدخل شقيقة سارة، لما، التي تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة على الخط وتسأل «ما هي الحرب الأهلية؟ يلي صار بـ7 أيار؟». تنظر الصديقتان بعضهما إلى الأخرى، تنفجران بالضحك وتطلبان من لما عدم التدخل في شؤون «أكبر من عمرها».
لا يتفق أغلب الشباب اليوم على توصيف واحد للحرب الأهلية. كلّ واحد منهم يراها من منظور معيّن. يجد ترسباتها وآثارها على المجتمع وعليه شخصياً مختلفة عما يلاحظه الآخر. يمر 13 نيسان من كلّ عام على بعضهم في ظل خوف من «تجدد الفتنة»، فيما يحتفل آخرون بنهاية حقبة يأملون ألا تعود.
منهم من يرى نتائجها نفسية، مثل سينثيا التي تضع ترسبات الحرب اليوم في خانة الأمراض النفسية. «أعيش نتائج الحرب مع والدتي التي تعاني اضطرابات دون سبب». لا تذكر سينثيا التي تبلغ الخامسة والعشرين شيئاً من الحرب «كانت بعيدة عنا، لكنني أراها في الناس من حولي، في قلقهم الدائم واضطراباتهم».
دانية أيضاً لا تذكر الحرب لكنّها عكس سينثيا ترى أنّ نتائجها اقتصرت على فترة إعادة الإعمار. وتؤكد أنّ الناس يريدون نسيان هذه الفترة من تاريخ لبنان وأنّه لا أحد يعيش في هاجسها اليوم.
فكرة تتناقض كلياً مع ما يقوله عمر من أنّ الحرب لم تنته ولا تزال مستمرة. يوافق وسيم على هذا الموضوع ويقول إنّ الحرب لا تزال قائمة، وتنتظر تمويل وقرار خارجي. ويضيف أنّه لا شيء تغيّر في النفوس ولا نزال نعيش في عصر ملوك الطوائف البعيدين عن الدين. ويقول وسيم إنّه في حالة عدم التوازن بين الطوائف الحرب تكون على نار هادئة، فيما تحاول الطائفة الأقوى عسكرياً السيطرة وفرض مشروعها بقوة السلاح. تحاول الطائفة الأضعف الدفاع عن وجودها فتأتي اللحظة «التي تشتعل فيها البلد».
نعود إلى عمر الذي يقول إنّ الحرب قلبت موازين القوى ولم ينسها أحد، والدليل هو أنّ الناس تبقى تذكر مسألة القتل على الهوية. يوافقه عزت، الذي تخطى الحرب ونسيها، في هذا الموضوع. ويؤكد أنّ الجميع كلما مرّ في البترون يتذكر «حاجز البربارة» الشهير.
شارل ونوّار من جهتهما يتفقان على وجوب حصول مصالحة على طريقة جنوب أفريقيا لكنهما يختلفان في توصيف الوضع اليوم. فنوار يرى أنّ هناك جواً من الأكاذيب من مخلفات الحرب تخلق تشنجات على المستوى الشعبي. فهناك تخوين دائم وتحميل مسؤولية الحرب لفئة دون أخرى وتهديد دائم بفتح ملفات. في المقابل يرى شارل أنّ الوضع لا يزال على ما هو، فالناس لم تتخطّ الحرب ولا تزال تخاف بعضها من بعض. وهؤلاء الذين استفادوا من الحرب لا يزالون حتى اليوم موجودين والناس تصفق لهم وتلحقهم. ويشدد شارل على فتح ملفات الحرب للمصالحة والمصارحة.
يضيف نوّار أنّه يرى نتائج للحرب على المستوى الشخصي، إذ هناك جهل بين الناس للشريك في الوطن وعدم تقبل لأفكاره.
توافق إيمان على طرح شارل في ما يتعلق بالطبقة السياسية الناشئة من الحرب. وتضيف أنّ الحرب كان لها تأثير اقتصادي كبير إذ نحن نواجه اليوم بتراكمات لا نعرف كيف التخلص منها. وترى إيمان أنّ الحرب لا تزال مسيطرة لكننا لا نراها مباشرة.
يوافقها زياد على موضوع استمرار الحرب ويقول إنّها انتهت عسكرياً. ويسأل كيف تستمر الحرب مع الجيل الذي لم يعش الحرب. فيزايد الشباب اليوم بعضهم على بعض في ما يتعلق بمعارك آبائهم «غلبناكم بالمعركة الفلانية» دون أن يعوا فعلياً إلى أين يؤدي ذلك.
يتابع زياد أنّه لا ينفع الكلام عن أنّنا كلنا إخوة وحصول تعايش بين الجميع. «إنّنا إخوة لكن كلّ في غرفة ولا أحد يدخل إلى غرفة الآخر»، يقول. ويرى أنّ التوزيع الديموغرافي للمناطق «حي للمسيحيين وحي للمسلمين، وتسميات لا تزال متداولة مثل الشرقية والغربية» تساهم في تأجيج الوضع. ويستغرب استخدام الجيل الجديد بكثرة هذه المصطلحات.
تضحك لينا عندما تسألها عن الحرب. تتذكر كيف كانت تهرع بها والدتها وتخبئها «تحت الدرج». كما لا تنسى أكل «الجبنة المعلبة». تربط لينا إطلاق النار اليوم كلما تحدث زعيم على التلفاز بالحرب الأهلية. تؤكد أنّه أحد نتائجها ويعيدها إلى أيام التعطيل عن المدرسة كلما «لعلع الرصاص».
وترى لينا أنّ تأثير الحرب غير مباشر اليوم ويبدو وكأنّ الناس جالسة تنتظرها. وتضيف أنّ هناك من يقول إنّنا نسيناها لكن من المؤسف أنّه في أيّ لحظة يعود الخوف والفزع. وتعتبر أنّ الأزمة الاقتصادية الحالية والطائفية والفقر كلها من نتائج الحرب الأهلية. وتشير إلى أنّه بدل أن يكون هناك تنمية وتقدم، البلد في رجوع دائم إلى الوراء. وتستشهد بوالدتها التي بعد كلّ هذه السنوات «ما طلعت من جو الحرب، بدا مني كون بالبيت الساعة 7 لتقفل علينا الباب».


في الحروب لا أحد يربح
يرى هلال أنّ كلّ فئات الشعب تضررت من الحرب. يقول إنّ طبقة جديدة ظهرت، تتكوّن من أزلام ميليشياوية خلعت البذلة العسكرية ولبست ربطات العنق. كما يتحدث عن ظهور طبقة بورجوازية هجينة على المستوى الاقتصادي يسميها بالحريرية. يرى هلال أنّ ظروف الحرب لا تزال موجودة مع عدم ملاحظة أي تغيير بنيوي على طبيعة النظام اللبناني. أما على مستوى الشباب فهناك التحاق مذهبي وطائفي لأفول البديل الديموقراطي.