عبد العزيز محمد سبيتي مَن يسمع ما يقوله رئيس الجمهورية ميشال سليمان ويقارن أقواله بأقوال الوزراء والنواب والمرشحين إلى النيابة يظن أن فخامة الرئيس، رئيس جمهورية أخرى غير الجمهورية التي ينتسب إليها أولئك.
يتكلم فخامته بلغة بناء وإصلاح وجمع مكوّنات الوطن والشعب، بينما تصريحات وشعارات وإعلانات واحتفالات ومقابلات ساستنا من المذكورين أو معظمهم باتت تمثّل الخطر على بقاء الوطن والشعب. كأن الانتخابات النيابية تجرى في لبنان للمرة الأولى، وكل منهم همّه الوحيد أن يفوز فيها حتى ولو دعا إلى تدمير الوطن وتقسيم الشعب إلى فئات وطوائف وأحزاب، ليس فيها مَن يقول أو يؤمن بأية كلمة مما يقوله فخامة الرئيس.
منذ فجر الاستقلال حتى اليوم، جرت عملية الانتخابات النيابية حوالى خمس عشرة دورة، وفي جميع تلك الدورات لم يسمع ولم يرَ المواطنون ما يقال وما يحصل في هذه الدورة. لماذا؟
هل تغيّر الشعب أم تغيّر تفكير الناس؟ أم أن المرشحين ليسوا من المواطنية والأخلاق والشرف بما يوازي مَن سبقهم من أهل السياسة؟ رحم الله مَن مات منهم.
والمصيبة الكبرى في معظم المرشحين أنهم قد نسوا أو تناسوا أنهم من وطن يحسدهم الناس عليه، وكلّهم أصغر منه. في السابق، كانت الجولات الانتخابية تحصل في المدن والقرى، من قبل جميع المرشحين، ولا يعتدي أحد على أحد، وجميع المرشحين ينشرون صورهم ولافتاتهم على الطرقات بما لا يستفز أيّ منهم الآخر، والناخب يختار مَن يشاء تبعاً لتاريخه أو برنامجه أو حتى صورته. فأين نحن الآن من تلك الأيام التي يترحّم عليها كل مواطن مخلص؟
اليوم، ونحن في زمن تكنولوجيا المعلومات وعصر العولمة، لم نأخذ من العلم وتطوّره سوى مبدأ «الفوضى الخلاّقة». ولا يعرف أي مواطن شريف كيف تكون الفوضى خلّاقة إلا للتخلف والتبعية والعمى البصري والشلل الفكري والبعد كل البعد عن الله والوطن وحتى العائلة الواحدة الموحدة.
أربع سنوات عجاف مرّت ازداد فيها الدين العام وكثرت فيها البطالة والهجرة والفساد والهدر والنهب من المال العام، وتعطّل فيها المجلس النيابي أكثر من نصف مدته، ولم تقدم الحكومتان موازنة الدولة لأربع سنوات، وبالرغم من ذلك كلّه فقد عفا الله والشعب عما حصل بعدما انتُخب رئيس جديد للجمهورية، بأكثرية قلّ نظيرها. ولكن كيف سيتمكن رئيس الجمهورية من تأدية مهماته إذا جاء المجلس الجديد بالأشخاص أنفسهم أو معظمهم، وبالذهنية نفسها؟ وهل سيتقبّل فخامته إدارة الأزمات طيلة عهده، وخاصة أن الطائف قد سحب من الرئيس الصلاحيات التي كانت له والتي كانت تحدّ من أخطاء المجلس النيابي والحكومة مخافة حلّ الأول وإقالة الثانية وبعدما أصبح بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، بحيث يجب التوافق بين ثلاثين وزيراً ومعهم رئيسا الجمهورية والحكومة؟ وكيف يحصل الاتفاق بين اثنين وثلاثين خلف معظمهم كتل نيابية وأحزاب ومذاهب ورجال دين وسفراء ودول، كلّ منهم همّه مصالحه وآخر همّه مصلحة لبنان وشعبه؟
كيف سيبقى لبنان واحداً موحّداً والخطاب السياسي السيّئ لا حدود له ولا ضوابط، وفي كل يوم يسمع المواطنون ويشاهدون مَن يقدمون أنفسهم خشبة الخلاص وكيف؟ بالشتائم والتحريض والاتهامات من كل فريق إلى الآخر. فهل بهذه الطريقة وهذا الأسلوب تُبنى الأوطان وتُساس الشعوب؟
بات رهان الشعب لحماية لبنان محصوراً بربّ هذا الشعب وخالقه فقط، وبمَن يؤمنون به ولم تدنّسهم شهوات السلطة والمال والجاه. وغير ذلك، فكما قال أبونا «لحنّة أقناء القدّاس».