منذ الاستقلال حتى أمس والجيش اللبناني في اشتباك سياسي وعسكري مع «الطفار» في بلاد بعلبك ـــ الهرمل. فشلت جميع محاولات رأب الصدع بين الطرفين، فلا المعالجات السياسية نجحت ولا حتى الأمنية، فتوارثت الأجيال علاقة ملتبسة. وما جرى أمس على طريق رياق أيقظ الذاكرة البقاعية المثقلة بالصراع الدموي بين الجيش ومجموعات متهمة أباً عن جد بأنها خارجة على القانون
البقاع ـ عفيف دياب
استُهدف الجيش اللبناني في عقر داره البقاعي أمس. فعلى مسافة أمتار من مطار رياق العسكري وثكنة الجيش ومساكن الضباط والرتباء، وفي وسط مربع مفترض أن يكون أمنياً، تعرضت سيارة جيب عسكرية في متنها ضابط و4 عناصر لإطلاق رصاص من مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة بعدما أخطأتها قذيفة صاروخية (إنيرغا) من مسلحين مجهولين كانوا يستقلون 3 سيارات رباعية الدفع وفق ما ردّده شهود عيان على طريق رياق ـــ بعلبك الدولية، قرب مفترق بلدة تمنين التحتا. وأضاف الشهود العيان إنه قرابة العاشرة و45 دقيقة من صباح أمس، اعترضت 3 سيارات تقل عدداً من المسلحين السيارة العسكرية التابعة للواء الثامن، وفي داخلها النقيب علام دنيا مع 4 أفراد كانت قادمة من بعلبك نحو زحلة، حيث أمطرها المسلحون بالرصاص، مما أدى إلى استشهاد المعاون الأول محمد مارون والعريف خضر أحمد سليمان والجندي بدر حسين بدر بغدادي والجندي زكريا أحمد حبلص، فيما أصيب النقيب دنيا بجروح خطرة استدعت نقله بعد الإسعافات الأولية في مستشفى رياق إلى بيروت للمعالجة. وقال الدكتور محمد عبد الله مدير المستشفى إن الشهداء الأربعة فارقوا الحياة جراء إصابتهم بالرصاص في الرأس مباشرة، فيما أصيب النقيب دنيا في فكه وكتفه ويده ورجله، وأخضع لعملية جراحية نقل على أثرها إلى بيروت.
وفور وقوع الاعتداء حضرت تعزيزات من مختلف قطعات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى، وفرضت طوقاً أمنيا محكماً حول مكان الحادث بعد تحويل السير إلى طرق فرعية، وباشرت التحقيقات في مسرح الجريمة، قبل البدء بتنفيذ عمليات بحث عن الجناة الذين فروا إلى جهة مجهولة. وعثر الجيش اللبناني لاحقاً على إحدى السيارات المشاركة في العملية، على بعد نحو 5 كيلومترات من مكان الاعتداء في محلة تعرف باسم ضهور العيرون على طريق ترابية فرعية (خراج سرعين). وقال مصدر أمني لـ«الأخبار» إن الجيش أرسل تعزيزات من القوات المجوقلة والمغاوير والتدخل، مدعومة بالدبابات والآليات المجنزرة وناقلات الجند إلى مناطق متفرقة من البقاع الشمالي، ولا سيما نحو منطقة الدار الواسعة. فيما نفذت المروحيات العسكرية تحليقاً مستمراً على تخوم الحدود اللبنانية ـ السورية وفوق الجرود والمرتفعات الوعرة هناك، بحثاً عن الجناة الذين تردّد أنهم من عشيرة آل جعفر ونفّذوا هجومهم ضد الجيش انتقاماً لمقتل أحد أفراد العائلة الشهر الماضي عند حاجز للجيش في محلة شلال شليفا في غرب منطقة بعلبك. وأوضحت المصادر أن الجيش اللبناني «لن يترك الاعتداء يمر مرور الكرام، وهو سينفّذ ما يراه مناسباً لحماية جنوده وضباطه». وتابعت إن الاعتداء «كان قاسياً ومؤلماً ولن نترك الجناة يفرون أو يسرحون ويمرحون كما يريدون، كما أننا سنفرض القانون ولن نسمح لأحد بخرقة أو بالتطاول عليه وعلى الجيش اللبناني». كاشفة أن الجيش اللبناني «سينفذ حملة دهم بحثاً عن مطلوبين، وعن الجناة الذين استهدفوا الدورية مهما كلف الثمن».
وكانت وحدات مختلفة من الجيش قد تحركت في أكثر من منطقة بقاعية، حيث أرسلت قوات منها إلى بلاد بعلبك ـــ الهرمل، التي تحولت إلى ثكنة عسكرية كبيرة، كذلك أرسل الجيش اللبناني تعزيزات من مختلف قطعاته العكسرية المنتشرة في أكثر من منطقة لبنانية. وعلمت «الأخبار» أن اتصالاً جرى بين الجيش اللبناني والجيش السوري حيث أبلغ الأخير الجانب اللبناني التزامه بالتنسيق الكامل، وتوقيف الجناة إذا اجتازوا الحدود نحو سوريا.
اتهام آل جعفر بالاعتداء على الجيش اللبناني استنكره أحد وجهاء العشيرة الكبار السيد ياسين جعفر، معلناً «رفع العائلة الغطاء عمن يظهره التحقيق متورطاً في العمل من آل جعفر»، موضحاً أن العائلة زارت أخيراً قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي «فتح لنا قلبه». كما أصدرت عشيرة آل جعفر بياناً استنكرت فيه الاعتداء على الجيش اللبناني، واصفة ما جرى بأنه «جريمة بشعة، وخاصة أنها استهدفت عناصر من الجيش اللبناني». وأبدت العشيرة كامل استعدادها لتقديم «كل مساعدة لإلقاء القبض على منفذي الجريمة». وأكد بيان آل جعفر «رفع الغطاء عن أي شخص تثبت إدانته»، داعياً إلى «معالجة الحادث بالحكمة والروية بطريقة لا تؤثر في الأمن والاستقرار في البلاد».
وبعد وقوع الاعتداء، عزز الجيش قواه المنتشرة في محيط حي الشراونة بمدينة بعلبك، الذي يقطنه عدد كبير من أفراد عشيرة آل جعفر. وشهدت المنطقة تراجعاً في الحركة تحسباً لأيّ تطورات أمنية، فيما أصيب عدد من السياح الأجانب الذين كانوا في مدينة بعلبك بهلع جراء مشاهداتهم للإجراءات الأمنية، حيث زارهم وزير السياحة إيلي ماروني إثر وصولهم إلى مدينة زحلة.
وقد استدعت الجريمة عدداً من ردود الفعل المستنكرة، إذ اتصل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بقائد الجيش العماد جان قهوجي واطّلع منه على تفاصيل ما جرى، وطلب منه «عدم التهاون مع المجرمين مهما كان الثمن دفاعاً عن كرامة الجيش وكرامة الوطن وحفاظاً على السلم الأهلي»، بحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.
رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي استنكر الجريمة، طالب في بيان له بـ«إلقاء القبض على المسؤولين عن هذه الجريمة، وإنزال أشد العقوبات بهم». بدوره، اتصل رئيس الحكومة فؤاد النسيورة بوزير الدفاع وقائد الجيش معزياً بشهداء الجيش، ومشدداً «على ضرورة تطبيق القانون على كل المواطنين». وأصدر حزب الله بياناً أدان فيه الاعتداء على الجيش اللبناني، داعياً إلى «محاسبة المرتكبين والمسؤولين عن هذا العمل الآثم»، ومؤكداً «على التلاحم والتعاون بين أهل منطقة البقاع والجيش اللبناني بما يعزز الاستقرار ومسيرة السلم الأهلي». واتصل نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بقائد الجيش معزياً.
(شارك في التغطية علي يزبك ورامح حمية)


نفي الابتهاج

أورد عدد من وسائل الإعلام أن عدداً من أبناء عشيرة آل جعفر أطلقوا النار في حيّ الشراونة ابتهاجاً بـ«الثأر» من جنود الجيش. لكن عشيرة آل جعفر أصدرت بياناً نفت فيه ما نقلته محطات التلفزة أمس، معتبرة أن ذلك محاولة للتحريض على المزيد من سفك الدماء في منطقة البقاع. وأكّد البيان أن «الأمور ستأخذ مجراها القانوني».