غادة دندش«الموت الأحمر» يصيب البشر كما أصاب الديدان التي تتغذى على بكتيريا P. aeruginosa القاتلة، تقبع هذه البكتيريا مسالمة في إمعاء الإنسان ما دامت نسبة الفوسفات فيه طبيعية. هذه واحدة من النتائج التي توصّلت إليها مجموعة من العلماء في جامعة شيكاغو الأميركية. عمل الباحثون على تحديد الصلة بين انخفاض نسبة الفوسفات في الجسم وارتفاع نسبة الخطر الذي تمثّله البكتيريا المكتسبة في المستشفيات، وفق ما جاء في العدد الأخير من Proceedings of the National Academies of Science، ولفت الباحثون إلى أن النقص في الفوسفات قد يحوّل بكتيريا عادية إلى مخلوق قاتل. الطريقة المعتمدة من أجل التوصّل إلى هذا الاكتشاف قد تؤدي إلى إيجاد دواء يجرّد العناصر المسببة للمرض pathogen والمقاوِمة للمضادات الحيوية من قدرتها على إلحاق الأذى بصحّة المريض، وذلك دون أن يحاول قتلها. تُعدّ بكتيريا الـ Pseudomonas aeruginosa واحدة من أخطر أنواع البكتيريا التي تنتقل عدواها في المستشفيات عبر المعدّات الجراحية وغيرها رغم عمليات التعقيم والإجراءات الصحيّة المتّبعة، وهي السبب الرئيس للإصابة بالتهابات الرئة. لكنّ هذه البكتيريا هي واحدة من مئات أنواع البكتيريا التي تعيش في إمعاء الإنسان دون أن تسبّب أي ضرر ظاهر، لا بل قد تكون مفيدة في بعض الأحيان لحاملها.
حالما يُصاب المضيف البشري بأي ضعف صحّيّ أو يخضع لعملية جراحية أو يتناول الأدوية المحبطة للمناعة تبدأ هذه البكتريا بالتسبّب بالالتهابات القوية وتعفّن الدم sepsis ثمّ تؤدي إلى الموت. لاحظ العلماء منذ زمن طويل أن كمّية الفوسفات غير العضوي تنخفض في جسم الإنسان بعد خضوعه لعملية جراحية، أو زراعة أعضاء، وأخيراً حدّدت الصلة بين هذا الأمر وبين تحوّل الـ P. aeruginosa إلى مخلوق قاتل. لقد انطلق العلماء في تجاربهم من فرضية تقول إن نضوب الفوسفات من الإمعاء المضطربة يحوّل بكتيريا P. aeruginosa إلى عنصر قاتل، وقد قاموا بتجارب مخبرية أطعموا فيها مجموعتين من الديدان Caenorhabditis elegans «أسراباً» من البكتيريا المنبّتة في وسطين أحدهما غنيّ بالفوسفات. ماتت الديدان التي تناولت البكتيريا التي نبتت في وسط الفقير بالفوسفات بعد وقت قصير. وقد أطلق العلماء على هذه الحالة تسمية «الموت الأحمر» بسبب البقع الحمراء الكبيرة التي ظهرت على جدار إمعاء الديدان قبل موتها
بقليل.
أعلن رئيس فريق الأبحاث الدكتور الكسندر زابورين أنّ «هذا الاكتشاف يلقي الضوء على آلية تحوّل هذه البكتيريا من عنصر مسالم يقبع مع سواه في الإمعاء البشرية إلى قاتل خطير قد يودي بحياة مضيفه إذا اهتزّت صحّة هذا الأخير».
جون الفيردي الجرّاح في المركز الطبّي التابع لجامعة شيكاغو، والعامل ضمن الفريق قال «ليس غريباً أن تتمتّع هذه البكتيريا بهذا القدر من الذكاء، فهي موجودة هنا منذ ملياري سنة»، وأضاف الفيردي مفسراً إن هذه البكتريا لا تبحث عن الفوسفات الضروري لحياتها في دم المريض لأنها «تدرك» أنها ستواجه المضادات الحيوية والكريات البيضاء المقاومة للمرض هناك، «لذا تبحث عنه داخل أنسجة الأعضاء حيث لا تواجه أية مقاومة تُذكر. هذه العملية تسيء إلى صحّة أعضاء المضيف الداخلية وتؤدّي في معظم الأحيان إلى موته». إن محاولة قتل البكتيريا بالمضادات الحيوية تؤدي غالباً إلى قتل البكتيريا الجيّدة. لذا يسعى أعضاء الفريق إلى خلق أسلوب جديد في مواجهة هذه البكتيريا وسواها، وذلك عبر تحديد العناصر التي يمكن أن تعيدها إلى حالتها المسالمة دون القضاء عليها نهائياً. أحد هذه العلاجات اعتماد الفوسفات الذي يسمح لهذه البكتريا بالعودة إلى حالتها الآمنة على صحّة المضيف.