طرابلس ــ فريد بو فرنسيس تكاد مدينة طرابلس، التي اشتهرت بصناعة المفروشات الخشبيّة، تخسر شهرتها. فالقطاع الصناعي الذي تعتاش منه آلاف العائلات، بدأ شيئاً فشيئاً يخسر روّاده بسبب الضائقة الاقتصادية التي عصفت به. وإن بقي روّاد هذه الحرفة مواظبين على العمل بها، فلأنّهم لا يعرفون حرفة سواها، أو أنّهم اعتادوها، ولا شيء أكثر من ذلك.
حال لا تبشر بالخير و«لكن لا مفرّ من هذه المهنة، فنحن لا نعرف سواها». هذا ما يقوله «الفنان» في تخريق الخشب حسين عثمان. يكدّ عثمان في تخريق الخشب، ولكن لا يجد مجالاً للتصريف. يقضي نهاره في مصنعه الصغير، الذي لا يعدو كونه غرفة واحدة، محاصراً بين الآلات الكهربائيّة وعدة الشغل التي يعمل عليها. ينتظر طيلة النهار «مجيء التيار الكهربائي كي نقوم بحفر وتخريق القطع الخشبيّة المكدسة». لعنة الكهرباء تلاحقه دائماً، فيضطر في أحيان كثيرة إلى ردّ طلبات «زبون مستعجل»، أو قادم من مكانٍ بعيد. وغالباً ما يجيب «يا ريت بقدر ساعدك يا عمي، بس الكهرباء مقطوعة ولن يعطونا إياها قبل 4 ساعات على الأقل». يرحل الزبائن خائبين، فيعود عثمان إلى إزميله ليكمل حفر القطعة التي بين يديه، غير آبهٍ بالبضاعة المكدّسة التي لم يستطع تصريفها طيلة ساعات النهار. حال عثمان تشبه حال الكثيرين من الذين يعملون في حفر الخشب وتخريقه. وهم كثيرون يشغلون منطقة بكاملها في طرابلس. ففي منطقة الزاهريّة، تلتصق المحال التي تعنى بالصناعات الخشبية، وخاصة مفروشات الموبيليا، بعضها ببعض. ويحاول شاغلوها المكافحة من أجل المحافظة على ديمومة عملهم، وسط ضائقة اقتصادية صعبة وركود قلّ نظيره في قطاع الموبيليا والمفروشات في المدينة عموماً.
على عكس السنوات الماضية، التي كانت تشهد نشاطاً مقبولاً ومعقولاً، وخصوصاً خلال فصلي الربيع والصيف، بدت حركة هذه الحرفة مشلولة هذا العام، الأمر الذي انعكس على «صيت» المدينة التي اشتهرت بأنّها عاصمة المفروشات في لبنان، نظراً لإنتاجها الوفير والمتنوّع من الموبيليا. اليوم، لا تجد البضائع المكدسة في المحال والمعارض والمستودعات والمخازن، منفذاً لتصريفها، وهو ما ينعكس سلباً على قطاع يتعدّى 1800 مؤسسة منتسبة إلى نقابة تجار الموبيليا والمفروشات في طرابلس والشمال.
لكن رغم كل هذه المساوئ، يأمل أصحاب المؤسسات «أن يرتاح الجو في لبنان كي تنتعش الحركة الاقتصادية ومعها صناعة المفروشات الخشبية، فعلى الأقل نتمكّن من تصريف المنتجات المكدّسة في المعارض والغاليريات»، كما يشير أحد العاملين في تلك الصناعة.
هم اليوم مواظبون على عملهم، ولكن «يا فرش مين يشتريك؟». لن يستطيع أحد الإجابة عن هذا السؤال، وقد تبقى الإجابة رهناً بالانفراج الاقتصادي.