لا يختلف اثنان على اعتبار المصروف الشهري، أمراً أساسياً في حياة الكثيرين من الشباب. ولأنّه كذلك، هم يجهدون في إيجاد الطرق الأفضل للحصول عليه ولإنفاقه، وإن بقي شيء، يخصص عندها للادّخار
محمد محسن
مع بداية كلّ شهر، يعيش الكثير من الشباب اللبناني أزمة ترشيد إنفاقهم. والسبب ليس حيرتهم في كيفية صرف مداخيلهم «العالية»، بل عجزها عن تلبية احتياجاتهم الأساسيّة. هم بالتأكيد يحتاجون إلى خططٍ توازي بين المداخيل والمصاريف. كيف لا؟ وأسعار الخدمات والسلع ترتفع ارتفاعاً لا يطمئن.
هكذا، يقتطع علي عسيلي أكثر من نصف راتبه الشهري، الذي يعتمد على البقشيش نظراً لعمله حمّالاً في إحدى الاستهلاكيّات، لتسديد أقساطٍ لا يمكنه الهروب منها. فإضافةً إلى ما يتكلّفه طالب السنة الثانية في كليّة العلوم من مصاريف جامعية، لا تقف عند حدود المواصلات والطعام، يسدّد علي مع بداية كلّ شهر أقساط تلفزيون المنزل، والغسالة التي اشتراها لوالدته في عيد الأم، ويتشارك مع أخيه في تسديد نصف بدل الاشتراك في شبكة الإنترنت. يمثّل علي شريحة واسعة من الشباب اللبناني، ممّن تؤرّقهم فكرة انتهاء المصروف قبل نهاية الشهر. هذه حال سارة منيمنة أيضاً. تبحث طالبة السنة الثانية في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية باستمرار عن عملٍ جديد، يؤمّن لها راتباً أفضل من راتبها الحالي، وغايتها في ذلك توفير فائضٍ للادخار. لا تنكر أنّ وضعها أفضل من غيرها «بيبقالي دايماً بآخر الشهر حوالى مئة ألف بصمّدها».
حال سارة المتقدّمة عن غيرها نسبياً، لا تعني أن راتبها أفضل من رواتب زملائها، وخصوصاً أنّها تعمل بائعة ثيابٍ في أحد المحالّ الكبيرة، لكنّ سر وجود هذا الفائض الزهيد يكمن في «تكفّل البابا مصاريف المواصلات وتشريج التلفون». على الرغم من ذلك، تؤكد سارة أنّها تشارك في مصروف البيت، حتى وإن اقتصر الأمر على «دفع اشتراك أوتوكار أخي الصغير».
في المقلب الآخر، ثمّة شبّان لا يؤرّقهم التفكير في المصروف، سلوك مؤشّره احتواء محافظهم على عدة بطاقات تأمينٍ وائتمان. طبعاً، هم غير ملومين على ذلك، وفي رأي حسين شعيتو «اللي صاححلو الله يرزقو». يركن حسين سيارته في مرأب السيارات التابع لجامعته «المحسوبة» على الأغنياء. هناك، كان السؤال عن المواصلات العامة في غير محلّه، ناب عنه السؤال عن أسعار البنزبن، لكن السؤال كان غريباً أيضاً. فحسين غير معنيٍّ بارتفاع أسعار النفط أو انخفاضها، وهو يتّكل في ذلك على والده «دايماً بفوّل السيارة على حساب بابا». في الوقت نفسه، يبدي حسين تعاطفاً مع بعض زملائه «الذين يأتون يومياً في الفان». يشير بيده إلى شابٍّ يدخل إلى الجامعة «كمال غساني، قبضاي بيشتغل بعد دوام الجامعة، ليسكّر القسط». ذهبنا نحوه، فباشر إبداء امتعاضه من وضعه المادي، مكتفياً بالإشارة إلى أنّه لم يعد يطاق، فأقساط الجامعة التي ارتفعت هذا العام «كسرت ظهري».
الصورة القاتمة التي رسمها كمال ليست مطلقة، إذ تبدو ملامح الأوضاع الاقتصادية للشباب ضبابيّة. فأكثر المتفائلين يبدي يأسه مع حلول منتصف الشهر، أمّا أكثر المتشائمين، فلا يعترض على شراء كنزةٍ جديدة، أو التنزّه مع الأصدقاء، على قاعدة «كلّو رايح والمصاري وسخ الدنيا».


ينظّم حسين علي مصروفه بطريقة مبتكرة، إذ يكتب لائحةً بكلّ ما أنفقه خلال اليوم، في زاويةٍ خاصة ضمن مفكّرة مذكراته التي يملأها كل يوم. في أيام الدراسة، يبلغ معدّل مصروفه، حوالى خمسة عشر ألف ليرة