نزار سليمانتقع قرية رمّاح العكارية في أقصى شمال الوطن على ضفاف النهر الكبير الجنوبي. قرية قلّما تسمع باسمها إلّا إن كنت في صفوف الجيش أو في قوى الأمن الداخلي، نظراً لانخراط القسم الأكبر من شبابها في السلك العسكري. المرور بها كالمرور في مدينة أشباح، إذ تكاد لا تلاحظ أيّ نشاط باستثناء حركة شاحنات التهريب التي تؤنس أهالي القرية بأصواتها وتنثر أريجها المازوتي في المكان. في القرية مدرسة يقلّ أعداد طلابها سنة بعد أخرى، وكنيسة مزدهرة بفعل ورش الترميم والتوسيع، ونقطة للجيش اللبناني تشرف على تطبيق القرار 1701.
لا يوجد في الضيعة نادِ ولا مكتبة ولا محل للإنترنت، ويقتصر تجمّع الشباب في مكانين: دكان أبو إبراهيم، ومفترق طريق السبعة. المركز الأول لم يدم طويلاً، واقتصرت التجمّعات فيه على العطلة الصيفية، إلى أن توقف أحفاد المرحوم أبو إبراهيم عن قضاء العطلة في القرية. لكنّ السبعة ظلّ صامداً. وسمّي هكذا لأنّه يقع على مفترق طريقين يأخذان شكل الرقم سبعة. في هذا المكان يبدأ وعيك بالتكوّن، وتبرز ملامح شخصيتك، وتبدأ التفكير في المستقبل، وفي هذا المكان تبدأ قصة غرام مع المؤسسة العسكريّة، وتبهر نظرك رؤية البذلة المرقّطة. فمرتديها أصبح لديه سيارة، ويده لا تشبع من معانقة زجاجة البيرة، أمّا شفتاه فتتلذّذان بطعم السجائر الأميركية الغالية الثمن. على مفترق السبعة تصبح البذلة بنظرك بوابة للعبور إلى حياة الرفاه والبحبوحة، ويتوّج هذا الحلم بتعليق رتبة السبعتين على البدلة.
بمجرد الحضور على مفترق السبعة تصبح السبعتين ثلاث سبعات، لكنّ هذه الرتبة غير موجودة في الجيش، وغير معترف بها، تماماً كما هي هذه القرية وغيرها من قرى عكّار وبلداتها، مناطق غير موجودة في سجلات هذا الوطن «المعجزة».