ليس الشعر الطويل فقط ما يميّز الشاب واهان فهو حِرفي في زمن قلّ فيه الحرفيون. يصنع أكسسوارات ويبيعها في متجره الصغير في الحمرا
هاني نعيم
لم يكن الشاب واهان بابازيان يعلم أنّ ما بدأ بصنعه من أعمال يدوية فنية وهو في الثالثة عشرة من عمره سيتحوّل إلى احتراف أصبح محطّ تساؤل واستفسار كثيرين... «من يكون هذا الشاب الحنطي ذو الشعر الطويل المجعّد واللحية الكثّة؟».
في تلك السن، ترافقت أعماله الحرفية المتواضعة مع بدء تعلّمه العزف على الغيتار والرسم. بدأ واهان دراسة الغيتار الكلاسيكي في أحد المعاهد الموسيقية في 1997، وتخرّج في 2006. إلى جانب ذلك، درس الرسم في معهد أرمني بين 1996 و1998، كان يعشق رسم الطائرات، ما دفعه إلى «دراسة ميكانيك الطيران» كما يقول ضاحكاً. وأكثر ما ساعده على دخول هذا المجال «الجو العائلي، إذ كان أبي يرسم ويكتب الشعر، وأمي أيضاً ترسم».
كانت تلك هي الفترة التي كوّنت معالم حياته للمستقبل. إذ أسس فرقة موسيقية تلعب الروك أطلق عليها اسم «Birds of pray». «لعبنا في حانات شارع الحمرا ومونو حتى 2005»، يقول واهان. كما بدأ بصنع أساور وعقود وأكسسوارات لأصدقائه مقابل بدل مادي ليؤمّن مصروفه. في عمر الرابعة عشرة، انتقل من تصميم الأكسسوارات وبيعها لأصدقائه إلى المشاركة في عيد الصليب، في عنجر، عبر طاولة صغيرة يعرض عليها إنتاجه. وقتها بدأ يشارك في معارض ومهرجانات، خلال فصول الصيف، بين جبيل وبرج حمود والزوق وغيرها، ويوزّع أعماله على محالّ بيروتيّة حتى 2004.
منذ 4 سنوات، لجأ واهان، إلى تجنّب التنقّل الدائم، وليتيح لزبائنه إيجاده دون أن يضطروا إلى انتظار موسم الصيف، افتتح محلّه «ANTS» (نمل) في برج حمود. وسمّاه بهذا الاسم لأنّه كان «كالنمل الذي يشقى ويخبّئ قوته خلال الصيف ليستريح في الشتاء» على حدّ تعبيره.
بدأت أعمال واهان بالتوسّع، وبعد حرب تمّوز 2006، افتتح محلّه الثاني في شارع المكحول في الحمرا. واستطاع بفنّه وحرفته أن يصبح مَعلماً ثقافياً من معالم المكحول.
من الحمرا، كانت انطلاقته إلى سوريا التي يستورد منها الجلود والموادّ الأوليّة، الأردن وتركيا. وإلى الشرق البعيد، الهند والنيبال. دفعه في ترحاله هذا عمله وحبّه لاستكشاف الثقافات القريبة والبعيدة واختبارها عن كثب بعدما قرأ عنها.
في فراناسي، شمال شرق الهند، تعلّم العزف على آلة السيتار الأساسية في التراث الموسيقي الهندي، مستغلاً تقنيّات الغيتار. أما في راجستان، قرب باكستان، فقد أتقن العزف على آلة «الرامنتا» التي تشبه الربابة و«لكنّها غنيّة أكثر منها... وهذه الأيام أقوم باستكشافها».
أما في إسطنبول، فقد تعلّم على البزق التركي/ الكردي كما يسرد، مستدركاً، «ذلك لا يعني أنني تجاوزت المجازر التركيّة بحقنا كأرمن ونسيتها». يفكر واهان حالياً في زيارة الوطن أرمينيا، وتعلّم اللعب على البزق الأرمني طبعاً. هذا وقد تعلّم قبل ذلك العزف على البزق الإيراني.
بالنسبة إلى واهان، الموسيقى أهم عنصر ثقافي ـــ فنّي في الحضارات، وهو يحتفظ بآلة تراثيّة لكل حضارة، «ذلك يدفعني إلى اختبار الثقافات بعمق... ويربطني بها».
هذه الخبرة دفعت واهان إلى تأسيس فرقة ANTS في 2007 مع أصدقائه، وهي تقدّم الموسيقى بأسلوب مختلف، وتعزف الأنواع الشرق أوسطية باستخدام الآلات العالمية. كما أنها ستمثّل لبنان في احتفالية إسطنبول عاصمة ثقافية لأوروبا العام المقبل.
ليست الموسيقى وحدها عنصراً ثقافياً مهمّاً بنظر واهان. فالأعمال اليدويّة هي عنصر آخر تقوم عليه الثقافة. وابتعاد اللبنانيين عنها «واستبدالها بالماكينات، والربح السريع، سيؤدّيان إلى تدمير ذاتي للثقافة»، كما يعتقد، ناصحاً إياهم بالالتفات إلى الحرف اليدويّة قبل انقراضها.
هوية واهان مزيج فني ـــ موسيقي، وأعمال يدويّة ذات بُعد روحي. ففي متجره تماثيل لبوذا، إلى جوارها لوحات صينية وشعار «أوم» الهندي، إلى جانب صليب وعبارة «لا إله إلّا الله»، ترافقها موسيقى أرمنيّة. يختصر واهان هويّته بقوله «أستوحي من عملي وأمزجه في الموسيقى. وأُدخل الموسيقى في الأعمال الحرفيّة».