كارين عبد النور ماذا يحصل حين يدخل المعالج النفسي عالم الإعلام ويطرق باب الشهرة؟
هل يمكنه أن يجمع بين سرية المعالجة النفسية، من جهة، وأضواء وسائل الإعلام من جهة ثانية؟
وهل تترك الشاشة الصغيرة آثاراً سلبية حين ترسم في مخيّلة المريض صورة مغايرة لحقيقة الطبيب النفسي الذي اعتاد أن يلتقيه في العيادة؟
موضوع طرحته صحيفة Le Temps السويسرية، فوُجّهت هذه الأسئلة إلى مجموعة من المعالجين النفسيين والمرضى على حد سواء.
في الواقع، لا يخفى على أحد العدد الهائل من المشاهدين الذين تستقطبهم البرامج التلفزيونية التي تركّز اهتمامها اليوم على تحليل شخصية المشاهير وتفسير خلفيات تصرفاتهم، الأمر الذي يولّد باطّراد رابطاً قوياً بين المعالجين النفسيين ووسائل الإعلام.
وقد ساهمت مجلة Psychologies في نشر خبرة هؤلاء المعالجين على صفحاتها، لكن إدارة التحرير لم تدرك ربما مدى التأثير السلبي الذي تحدثه عند بعض المرضى، فهؤلاء يشعرون بفرق في تصرفات المعالج، ففي عيادته أمكنهم البوح بأسرارهم، ولكن صورة الطبيب تتغير حين يدخل إلى الحياة العامة.
«إنّ الضجيج لا يناسب الطبيب النفسي». عبارة وردت على لسان المعالجة فرانسواز دولتو بعدما أيقنت من خلال خبرتها أنّ الشهرة أفسدت أساليب معالجتها للمرضى، مما دفعها إلى التخلي عن عملها داخل العيادة. وقد حذا الكثير من المعالجين حذوها.
من ناحية أخرى، يعبّر فيليب (40 عاماً) عن الخوف والقلق اللذين يعتريانه في كلّ مرّة يعلم فيها أن معالجه النفسي في طور إصدار كتاب جديد. يقول: «عندما أرى الأوراق مكدّسة على مكتبه، أتساءل إذا ما كان يفكّر بي في هذه اللحظة أم في كتابه الجديد».
للوهلة الأولى، يزداد تعلّق المريض بطبيبه حين يدق هذا الأخير أبواب الشهرة، إذ يعتقد المريض أنّ معالجه حاز اهتمام الإعلام بسبب كفاءته العلمية ومكانته العملية. ويؤكد المعالج النفسي سيرج حافظ على ما تقدم من خلال تجربته العيادية، مشيراً إلى أن طلبات المعالجة ازدادت بوضوح بعد ظهوره على الشاشة وعلى صفحات المجلات. ففي نظر المرضى، المتخصص الأفضل هو الذي يحوز اهتمام الإعلام.
من ناحيته، يلقي المعالج النفسي كريستوف أندره الضوء على أثر خطير تولّده وسائل الإعلام عند المريض، إذ تقدّم الشاشة صورة مثالية للطبيب أمام الجمهور، فيما الواقع ليس كذلك تماماً. فالآمال الكبيرة التي يعقدها المريض على معالجه تؤدي به إلى الإحباط حالما يدرك أنّ هذا المعالج ليس إلهاً أو ساحراً، لأنّ العلاج لا يكون بالسهولة التي تظهر عبر الإعلام. فبكل بساطة، الشاشة تشوّه الصورة.
وقعت ماريان (27 عاماً) ضحية شعور نرجسي تولّد لديها بعدما أدركت مدى الشهرة التي حازها معالجها النفسي. لكنها تعترف بالخيبة التي ما لبثت أن أصيبت بها حين سيطرت عليها غيرة شديدة من جراء وجود العشرات من اللواتي كنّ ينتظرن دورهنّ في العيادة.
ويلعب المعالج النفسي دورين مختلفين ومتناقضين حين يدخل عالم الأضواء: فأمام الشاشة، يضطرّ إلى أن يكون المحلل الذي يأخذ دور الخبير الذي يعرف كل شيء. أما في العيادة، فهو لا يكون أكثر من مستمع ومساعد.
ويبقى السؤال: هل المعالج النفسي إنسان مختلف عن باقي البشر؟ ألا يحق له ممارسة حياة طبيعية خارج أسوار العيادة وقيودها النفسية؟