تكرّرت حوادث الخطف في الآونة الأخيرة، وتبيّن للشرطة أن معظمها كان بقصد تحصيل الأموال من ذوي المخطوفين. غير أن قضية خطف عبد الفتاح تبدو أكثر تعقيداً، إذ إن أمنيين يشتبهون في أنه يبتزّ أبناءه
رضوان مرتضى
خرج عبد الفتاح ز. من منزله يوم 11/11/2008، ولم يعد منذ ذلك الحين. بعد عدة أيام على غيابه، تلقّى أبناؤه دعوة لتناول طعام الغداء في أحد مطاعم ساحل جونية، من الرجل الذي كان يعمل والدهم لحسابه، حسين م. . على الطاولة ذاتها، جلس أبناء عبد الفتاح ووالدهم «المخطوف» وربّ عمله «الخاطف» وأحد أفراد المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. اطمأن الأبناء إلى أوضاع والدهم الذي أبلغهم أنه ينجز عملاً مشتركاً مع حسين يتطلب غيابه عن المنزل.
بعد أيام معدودة، تلقّى أحد أبناء عبد الفتاح اتصالاً هاتفياً من حسين: «مطلوب 4 ملايين دولار ونصف المليون، وإلا فإنكم لن تروا والدكم مجدداً». لم يعرف أبناء عبد الفتاح ما عليهم فعله، وهم الذين يؤكدون أنهم لا يملكون أكثر من قوت يومهم. سارعوا إلى إبلاغ القوى الأمنية بما جرى. دُهِمت شقة في الضاحية الجنوبية تعود لشقيقة حسين، لكن النتيجة كانت سلبية، فعبد الفتاح نُقل إلى منطقة الهرمل.
بعد مرور عدة أيام على عملية الخطف، اتّصل أحد ضبّاط استخبارات الجيش اللبناني بأحد أفراد عائلة عبد الفتاح طالباً إليه الحضور إلى مكتبه، ومشيراً إلى أن للأمر علاقة بوالده المخطوف. ذهب اثنان من أفراد العائلة إلى مكتب الضابط الذي تحدّثت معلومات عن علاقة صداقة تربط بينه وبين المشتبه فيه بـ«الخطف»، حسين م. . اتصل الضابط به طالباً التحدّث مع عبد الفتّاح، قبل أن يعطي الهاتف لابنته. طلب الأخير منها أن تسحب مبلغ 4 ملايين دولار من رصيدها المصرفي. لهول الصدمة، انتابت الفتاة نوبة ضحك. استجمعت قواها لتسأل والدها: «أنت تعلم أننا لا نملك 400 ألف ليرة، وتطلب مني جلب 4 ملايين دولار؟». انتهى الاتصال ليزيد من قلق أبناء عبد الفتاح وحيرتهم، وهم الذين يؤكدون أنهم لا يعلمون شيئاً عن الحسابات المصرفية التي تحدّث عنها والدهم. طرقوا أبواب العديد من السياسيين. استقبلهم النائب وليد جنبلاط الذي وجّه لوماً عبر وسائل الإعلام إلى ضابط الاستخبارات المذكور الذي ابتعد عن أيّ تدخل في القضية. يتحدّث أبناء عبد الفتاح عن عمل سابق بين والدهم وحسين م. مؤكدين جهلهم بكل ما يتعلق بأسباب اختطافه.
في مقابل كلام الأبناء، يقول ضابط رفيع في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إنه يظن أن «عبد الفتاح ز. أوهم حسين م. بأنه يملك حسابات مالية في الخارج»، وأن حسين «أنفق مبلغ 300 ألف دولار على عبد الفتاح ريثما يُحصّل الأخير ماله من حساباته المصرفية. وعندما تبيّن مع الوقت كذب ادعاءات عبد الفتاح، احتجزه حسين إلى حين حصوله على ماله الذي أنفقه». ويقول مسؤول أمني آخر إن عبد الفتاح «ليس مختطفاً، بل هو يبتزّ أبناءه للحصول على مال قد يكون وضعه في حسابات مصرفية في الخارج باسم أحدهم، أو أنه صرف مال حسين م. ولا يملك أن يردّه إليه، وهو بالتالي يكذب عليه ليبقى في عهدته، بانتظار توفير المال». ويضيف المسؤول أن قضية عبد الفتاح شبيهة بأخرى وقعت قبل عدة سنوات، «عندما ادّعى شقيق متموّل كبير في طرابلس أنه مُختَطَف ليبتزّ شقيقه».
رواية الضابط تقاطعت مع ما رواه محامي حسين م. الذي قال إن موكّله وابن عمّه وقع ضحية عبد الفتاح: «لقد أنفق حسين مليون و400 ألف دولار على عبد الفتاح خلال 3 سنوات، وهي مدة عملهما معاً في مجال الكفالات البنكية بين لبنان وهونغ كونغ وإندونيسيا». أمّا لماذا لم يسلّم حسين نفسه واحتجز عبد الفتاح لديه، فيشير المحامي إلى أن «عبد الفتاح لا يزال يحتال» على موكّله الذي «يصدّقه، على اعتبار أنه الأمل الباقي بأن يحصل على ماله الضائع، وإذا سلّمه إلى العدالة، فسيضيع أمله بتحصيل ماله، وسيسجن عبد الفتاح ويخرج بعد عدة سنوات وفي جيبه الملايين».
القضية باتت في عهدة قاضي التحقيق في بيروت جعفر قبيسي، الذي حدّد موعد الجلسة الأولى لبدء الاستجواب يوم 23 من الشهر الجاري. لكن لا وجود لموقوفين مطلقاً، «لا رجل الأمن الذي حضر مأدبة الغداء، ولا أصحاب الشقة التي دهمت والتي تعود لشقيقة حسين وزوجها»، بحسب أحد أبناء عبد الفتاح الذي يرد على كلام الضابط والمحامي بالقول: «فليوقفوا والدي إذا كان قد احتال على حسين، ولتأخذ العدالة مجراها».


التحقيق غير جدّي؟

يتحدّث أحد أبناء عبد الفتاح ز. عن تورّط أحد أفراد فرع المعلومات، وهو مرافق وزير عدل سابق، في خطف والده. «كان موجوداً في الغداء معنا وهو صديق الخاطف»، مستغرباً عدم توقيفه. ويتحدّث ابن عبد الفتاح عن ضغوط تمارس لتجميد التحقيق، مشيراً إلى شبكة العلاقات الواسعة التي تربط حسين م. بشخصيات أمنية وسياسية وقضائية. وتجدر الإشارة إلى أنه جرى التحقيق مع رجل الأمن وأخلي سبيله «لعدم وجود أي دليل ضده». وعندما يُسأل أمنيون رفيعون عن عدم جدّية التحقيق، يجيبون بالقول: «الخطف غير جدّي أيضاً، فالمخطوف لا يتناول الغداء مع خاطفه».