محمد زبيبلم يتمالك أحد خبراء صندوق النقد الدولي نفسه عندما سمع مضيفه يردّد أن برنامج باريس 3 سيكون أبرز الضحايا إذا فازت قوى 8 آذار بالأكثرية النيابية... فابتسم ابتسامة العارف، وترك قليلاً دور المستمع الذي يفضّله هؤلاء الخبراء في لقاءاتهم العامّة، ليقول «إن جميع من التقيناهم أعربوا أمامنا عن التزامهم بتنفيذ هذا البرنامج، وأبدوا استعداداً لتطوير صيغ التعاون مع الصندوق بعد الانتخابات».
يقصد هذا الخبير اللقاءات التي أجرتها بعثة من صندوق النقد بين 19 شباط و5 آذار، وشملت ممثلي الكتل النيابية المختلفة وقيادات بعض الأحزاب السياسية، فضلاً عن ممثلي الحكومة ومصرف لبنان والقطاع المصرفي والهيئات الاقتصادية... وكان لافتاً أن التقرير الختامي للبعثة لم يعكس أي قلق، مباشر أو غير مباشر، من الانتخابات النيابية المقبلة ونتائجها، بل تضمّن ما يشبه التأكيد على أن حكومة ما بعد الانتخابات ستقوم بإعادة برمجة مواعيد تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها في البرنامج المذكور، ولا سيما تلك التي تعرقل تنفيذها بفعل الأزمات السياسية والأمنية المحلية وانفجار أزمة الاسواق المالية العالمية لاحقاً.
هذا «التأكيد» يجد أساساته، أصلاً، في الخطابات الانتخابية لمعظم القوى السياسية المتنافسة، فجميع هذه الخطابات تخلو من أي موقف سلبي يتصل ببرنامج باريس 3 وما يتضمّنه لجهة بيع قطاع الاتصالات وخصخصة مؤسسة الكهرباء وتقليص حجم الدولة وعدد العاملين في القطاع العام وأجورهم وتقديماتهم وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 15% وزيادة رسم البنزين الى 12 ألف ليرة على الصفيحة وزيادة تعرفات الكهرباء والمياه بنسبة تصل الى 50%... وكل ذلك من أجل تأمين خدمة الدين العام وتكريس أولويتها على كل إنفاق استثماري أو خدمي أو اجتماعي، مهما بلغت أهميته.
تتسابق القوى السياسية على إعلان ما تسمّيه «برامجها الانتخابية»، إلا أن أيّاً منها لم يطرح أمام الناخبين، حتى الآن، موقفه من النظام الضريبي القائم والسياسات النقدية المعتمدة منذ أواخر عام 1992 وآليات التوزيع وإعادة التوزيع التي تديرها الحكومة... هناك شعارات اجتماعية كثيرة واتهامات سياسية أكثر، ولكن لم يظهر موقف واحد يمكن أن يشير الى أن مطلقه، إذا فاز في الانتخابات، فسيهزّ البنيان الموجود وسيطيح البرنامج المشؤوم.