خالد البزري *حملت جريدة «النهار» في عدد التاسع من نيسان خبر «تزويد لبنان بأسلحة ثقيلة قبل استحقاق حزيران» في الصفحة الرئيسية. وبينما عكف مندوبها في واشنطن على الاستفاضة في ما أورد عن الحفاوة الفائقة النظير التي لقيها مسؤول لبناني زائر، اكتفى باقتضاب لافت للنظر، بتعداد متسارع لمعدات حربية «ثقيلة» موعودة. أربعة من تلك هي الأهم: تزويد الجيش اللبناني بطائرة واحدة يتيمة من طراز «سيسنا كارافان» و20 صاروخاً من طراز «هَل فايار» و12 طائرة بدون طيار من طراز «ريفان» وعشر دبابات من طراز «أم 60».
أما الطائرة تلك فهي طائرة مدنية يستطيع من يود شراءها في السوق العامة، جديدة أو مستعملة، تحمل 12 راكباً، وتستعملها منذ الثمانينيات من القرن الماضي شركات السياحة ونقل البضائع، كما تُستعمل في نقل المسافرين من مطارات فرعية إلى مطارات رئيسة. حاولت شركة «سيسنا» إنتاج نموذج حربي منها للاستعمال في تعقب مهربي المخدرات في أميركا اللاتينية، لكن وزارة الدفاع رفضت اعتمادها حتى حين زودت بمدفع رشاش في باب الشحن في مؤخرتها، بالنظر لسهولة إسقاطها بنيران أرضية. لكنها أثبتت جدارة ملحوظة في بخ السماد ونشر مبيدات الحشرات والطفيليات الزراعية من الجو، إلا أن تلك مهمة يشك المرء في أولويتها في لوائح مهمات جيش لبنان الوطني!
أما صواريخ «هل فايار» فهي قذائف موجهة من منصات جوية بطيئة السرعة نسبياً كطائرات الهليكوبتر، تسمح بتحديد الهدف بواسطة الليزر ونقل إحداثياته للقذيفة قبل إطلاقها، وأثناء مرحلة حوم شبه ساكن في الطيران قرابة الهدف من عل. وبما أن الجيش اللبناني لا يملك مثل هذه التجهيزات أو تلك المنصات المتطورة، ولا تسمح إسرائيل للبنان قطعاً بحيازة مثيلها، كما أكدت ذلك مراراً، يحار المرء في تفسير ما أورد الخبر، إن لم يكن مختلقاً. لا سيما أن الولايات المتحدة حريصة على ألا تقع تلك القذائف، وبالأخص تجهيزات استخدامها، في أيد «تعاديها» تقلل من كفاءتها في أداء وظيفتها المحدودة في ضرب أهداف بشرية صغيرة الاتساع، كما في استخدامها من جاتب إسرائيل في اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية من منصات التهديف والإطلاق الموجودة في الهليكوبتر «أباتشي».
أما في تزويد لبنان باثنتي عشرة طائرة بدون طيار، من طراز «ريفان»، فالأمر يكاد يكون مضحكاً. هذه الطائرات الصغيرة التي يبلغ بعد جناحيها 120سنتيمتراً ووزنها حوالى كيلوغرامين، تُطلق في الجو يدوياً بالقذف في الجو كما في الطائرات الورقية. محركها كهربائي ووقودها كافٍ لتحليق يدوم 80 دقيقة! ميزتها العملياتية في التعرف على وضع وحدة معادية قريبة قبل الهجوم عليها، لكنها فريسة سهلة الإسقاط بنيران أرضية واتصالها مع من قذفها عرضة للانقطاع بسبب الموانع الطبيعية أو الصنعية أو الطقس السيئ. ذلك يفرض استخدامها بعيداً عن محيط سكاني أو حراجي مشجر أو مزروع، كما في صحراء العراق مثلاً، ويعني أن استعمالها في لبنان محصور بمناطقه الصحراوية الجرداء، في أيام خالية من جو عكر، ضد أعداء يفضل أن يقتصر تسليحهم على القوس والسهم.
أما السلاح الموعود الثقيل فعلاً فهو الدبابات العشر من طراز «أم ـــــ60» التي صممت في الخمسينيات من القرن الماضي، وبدأ إنتاجها في عام 1960، وتوقف عام 1983، وكانت رداً غير كفوء أو كاف للدبابة السوفياتية «تي ـــــ 54» وقد يرجع سبب ذلك لاختلاف واضح في العقيدة الحربية الأميركية في ما يتعلق بحرب الدبابات وتلك السوفياتية والأوروبية والإسرائيلية.
حُذفَت هذه الدبابة من لائحة الترسانة الحربية الأميركية منذ 1990 وأحيل الباقي (5400) للمستودعات، يستخدم بعضها للتمرين على التهديف وتجارب الأسلحة المختلفة. واستعيض عنها بالدبابة من طراز «أم ـــــ 1» (أبرام).
وفي إسرائيل التي حصلت على تلك الدبابة في الستينيات من القرن الفائت، أظهرت حرب 1973 ضعف أدائها (وأداء السنتوريون البريطانية) وبالأخص في ضعف درعها الذي سبب في انتشار مقابر لها في سيناء و الجولان عفّت عن نشر صورها آنذاك وسائل الإعلام الغربية، وبدأت تطفو في العامين الماضيين في مذكرات وتذكارات أطقم تلك الدبابة الإسرائيليين.
وكان من نتائج الحرب تلك قرار الاستغناء عن تلك الدبابة واختيار الدبابة البريطانية من طراز «تشيفتين» كنموذج. حصلت إسرائيل على أسرار مكونات «التشيفتين» وأدائها بعد سنتين من «اختبارها» في فلسطين بحجة النية لاقتنائها، ومن ثم سارعت «لتركيب» دبابة محلية من مكونات وجزيئات أميركية ومحرك ديزل ألماني («أم. تي. يو») سمتها... ميركافا! دبابة ثقيلة وبطيئة وصعبة التحرك، كان بلاؤها على تلال جنوب لبنان الأبية حتى في نموذجها المطور، الذي زاد من تحصين درعها «لضمان سلامة طاقمها» ومن وزنها وبطئها، ما دفع إلى الاستغناء عنها والتطلع لاقتناء الدبابة الأميركية «أبرام» ذات الدرع المتطور.
ولا شك، ستحلل إسرائيل خليطة الدرع هذا ومكوناته، وتطلق عليه اسماً عبرياً، ومن ثم تبيعه لدول أخرى، بما فيها التي تشكل أعداءً مستقبليين للولايات المتحدة الأميركية، كالصين وروسيا مثلاً، كما فعلت بمعظم ما أمنتها عليه الإدارات الأميركية في السابق. إلا أن الميركافا ستبقى في الوقت الراهن سلاحاً فتاكاً ضد الأهداف المدنية، وخاصة في قصف منازل العزَّل وقتل النسوة والأطفال، رضّعاً أو مفطومين، كما أثبتت بجدارة موثقة في حرب غزة الكليمة أخيراً.
هذه هي الهدايا التي احتسب المندوب «ثقلها». وقد تكون كلها بالفعل ما وعد به الأميركيون، أو قد يكون الوعد ببعض منها، أو، كما يغلب الفكر، كانت نتيجة أمسية صاخبة مع موظف في الخارجية الأميركية عن معتق الكحول السكوتلندي، أو بالنظر لنوع هذه الأسلحة «الثقيلة» وتعدادها، قد تكون مستقاة بسرعة وبدون معرفة من قصاصات نشرات من المجلات العديدة في التسليح والطيران، وخاصة ما تعلق بحرب المقاومين لاسترداد حقوقهم ورفع ضيم المحتل عنهم وعن أبناء وطنهم وقومهم، إذ إنها لا توفر ما يحتاج إليه الجيش اللبناني للدفاع عن أرض الوطن ضد عدوه الرئيس إسرائيل، بعكس ما يوحيه فكر المندوب المشوش في ما أورد، وذلك بالرغم من رغبته بتبديله، رغبة لا ينفك يوحي بها ويكررها في مقابلاته التلفزيونية النادرة في الولايات المتحدة، متهجماً على المقاومة في بلده، ومنتحياً جانب عدو وطنه وأهله.
* أستاذ جامعي