أطلقت الجماعة الإسلامية في طرابلس ماكينتها الانتخابية النسائية، في خطوة لا تقوم بها عادة القوى والتيارات السياسية في عاصمة الشمال. حركة ناشطة تقوم بها تلك النسوة في الأماكن العامة ترويجاً لمرشح يعتبرنه خياراً ناجحاً، مع ملاحظة غياب الضغوط التي يمارسها عادة أولياء الأمور على نسائهن. هذا الواقع يفرض طرح السؤال عن سبب عدم ترشيح الجماعة لامرأة في الاستحقاق الحالي
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
«يزيد عدد الناخبات في طرابلس على عدد الناخبين وفق السجلات الانتخابية، هنّ مؤثّرات في الاقتراع والنتائج، فلماذا يغيب دورهن في الحياة السياسية؟». بهذه العبارة تبدأ المسؤولة الإعلامية في الماكينة النسائية للجماعة الإسلامية في طرابلس هبة مراد، حديثها، مؤكدة على الدور الذي يجب على النسوة ممارسته في الانتخابات النيابية المقبلة.
في الطبقة الثانية من مبنى مدرسة الإيمان الإسلامية في منطقة أبي سمراء، أحد المعاقل التربوية البارزة للجماعة نلتقي مراد التي تحدثت عن الماكينة النسوية للجماعة، في جلسة شاركت فيها مسؤولة التعبئة الداخلية في الماكينة رندا الزعبي، ومسؤولة تأمين المندوبات غنوة مكاوي.
يبدأ الحديث من عام 1992، حيث توضح الزعبي أن الجماعة الإسلامية لحظت دور النسوة في انتخابات ذلك العام، ومنذ ذلك الوقت «اكتسبنا خبرة كبيرة نتيجة تراكم التجارب». موضحة أن اللجنة النسائية في الجماعة «واحدة من لجان عدة تعمل وفق أهداف محددة، يكمل بعضها بعضاً في المحطات البارزة كالانتخابات».
وتقدم الزعبي أمثلة على آلية عمل هذه الماكينة، لافتة إلى أن «الأخوات»، وهو اللقب الذي يطلق على كل منتسب للجماعة أو حتى متعاطف معها، «يعملن على خطين: الأول داخلي متعلق بالتدقيق في لوائح الشطب وبعض الأمور الإدارية؛ والثاني خارجي يشمل قيامنا بزيارات وعقد لقاءات مع أهالي وجمعيات، تنظيم مهرجانات، تأمين مندوبات، وتوزيع منشورات وصور، وتغطيات إعلامية وغيرها».
هذا التنظيم للعمل، الملموسة فاعليته في أوساط الجماعة، تردّه مكاوي إلى أن «عملنا ينطلق في الأساس من إطار دَعوي. نحن نعمل كمتطوّعات، نضحي بوقتنا، مع أن معظمنا ربات بيوت»، مضيفة إن «هدفنا ليس خوض الانتخابات والفوز فيها فقط، بل إصلاح المجتمع ونهضته، ومن نتواصل معه يتعاون معنا بارتياح لأنه يشعر بأننا نسعى إلى ملء فراغ كبير موجود على الساحة السياسية».
وتشدّد مراد على القول «نحن في الجماعة لسنا رقماً هامشياً لا وزن له ولا رأي». وهذا ما تواقفها عليه زميلتََاها. فتوضح الزعبي أنّ «لنا شخصيتنا واستقلاليتنا ضمن كوادر الجماعة، ولسنا مجرد متلقيات للأوامر ولا يوجد أي إلغاء لدورنا ولرأينا، بل نشارك في النقاشات واتخاذ القرارات».
وفي هذا الإطار تشيد مراد بعضوات الماكينة الانتخابية، فـ«معظمهن من المثقفات والمتعلمات، ولديهن تجربة واسعة، فضلاً عن الأخوات اللواتي تحت هن سن الانتخاب (أدنى من 21 سنة)، كالطالبات اللواتي نستعين بهن على نطاق واسع في الإحصاءات واستطلاعات الرأي وتنظيم المهرجانات».
وبما أن العمل الإداري يختلف عن العمل الميداني، لكون الأخير يحتاج إلى جهود إضافية، فإن «ما نقوم به يختلف تأثيره بين بيئة اجتماعية وأخرى»، على حد قول مكاوي التي توضح أن «صعوبات عدة تواجهنا في تحركنا، لكننا نتخطاها بسهولة لكوننا مدرّبات على هكذا أمور، كما أننا نوفق في إقناع الآخرين بوجهة نظرنا».
خطوات تحرك الماكينة النسائية على الأرض تبدأ، وفق توضيح الزعبي، «بتحديد موعد مسبّق لعقد لقاء ما مع جمهور يكون أغلبه نسائياً، بعد التنسيق مع مسؤولات المناطق والأحياء، وما لمسناه أن الضغوط التي يمارسها أولياء الأمور على نسائهن (زوجات أو بنات) قليلة في طرابلس قياساً إلى ما هو موجود في الريف».
لكن مراد تضيف إن «اللقاءات متنوعة، وليست صبحيات نسوان، فهي لا تعقد في المنازل فقط، بل قد تكون في قاعات ومسارح يكون الحضور فيها أكبر، ويحضرها جمهور من الجنسين، كما يحضرها مرشحنا في دائرة طرابلس رامي درغام، لإلقاء كلمة». وتعلّق قائلة: «مرشحنا رصيده جيد، واختياره لتمثيل الجماعة خطوة موفقة، وهذا أمر يريحنا في تحركنا، وخصوصاً أننا أسهمنا في تسميته».
وتعبّر مكاوي عن ارتياحها لردود الفعل على تحركهن الانتخابي «هي إيجابية عموماً»، وتتطرق إلى حادثة وقعت أثناء لقاء انتخابي عقد مع نساء من طائفة أخرى، فاجأت بعده إحدى الحاضرات مكاوي بقولها: «لم أكن أعرف أنكن تفكرن وتعملن بهذا الأسلوب». هذا الأمر «أعطانا دفعاً لتواصلنا مع الآخرين، رغم أننا نحمل مسبقاً هويتنا على رؤوسنا» (في إشارة إلى حجابها).
وتروي مراد حادثة مشابهة، حيث لفتها قول إحدى السيدات «إنها لم تكن تعلم أن الجماعة تتعاطى في موضوع النساء بهذا التعاطي الإيجابي، وهذا ما جعلنا نصل إلى قناعة بأننا مقصّرات في التواصل مع شرائح اجتماعية كثيرة». هنا تتدخل الزعبي لتقول: «عندنا عناصر نسائية ناشطة جداً داخل الجماعة، وعملنا النسائي متقدم للغاية. الإعلام مقصّر بحقنا بعض الأحيان، كما أننا زاهدون إعلامياً، لكن الواقعية في العمل العام، وإنجاحه وتطويره، جعلتنا نقتنع بأن الزهد هنا لم يعد مقبولاً».
في ظلّ هذه الإيجابية، يصبح السؤال مشروعاً عن إمكان ترشيح الجماعة عنصراً نسائياً للانتخابات يوماً ما؟ تجيب مراد قائلة: «الأمر طرح جدياً أثناء إطلاق ماكينتنا الانتخابية. قد يحصل ذلك في الانتخابات البلدية العام المقبل، لكن ما يخوّل المرأة الدخول إلى معترك العمل العام هو حضورها ووجودها على الأرض».
وعن وضع العنصر النسائي في الجماعة مستقبلاً ترد الزعبي: «عندنا قسمان، الأول للناشئة اللواتي تتجاوز أعمارهنّ الـ6 سنوات، والآخر للطالبات اللواتي نعقد لهن لقاءات ودورات أسبوعية في مجالات التأهيل المجتمعي والتواصل والحوار مع الآخرين، فضلاً عن تنظيمنا مخيمات كشفية يشارك فيها أكثر من 150 فتاة أحياناً»، خاتمةً بالقول: «نحن نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل».