عمر نشّابة«هنا منزل العميل وزوجته العميلة، وهناك منزل شقيقها»، قالت إحدى الزميلات عبر شاشة التلفزيون. وجالت الكاميرا تحت المطر في القرية الجنوبية قبل أن تلتقط «بالصدفة» دورية من أحد الأجهزة الأمنية أثناء «دهمها شقة أحد أفراد آل العميل، وهو ضابط يخدم في الجهاز الأمني نفسه الذي خدم فيه العميل قبل تقاعده». واستخلصت الإعلامية أن الضابط «العميل» سرّب جزءاً من أرشيف الجهاز الأمني إلى العدو الإسرائيلي.
تحوّلت بعض نشرات الأخبار إلى مسرحيات بوليسية قرّرت من خلالها وسائل الإعلام إدانة أشخاص بالتعامل مع العدو الإسرائيلي قبل صدور أي قرار قضائي يتّهمهم أو يؤكد الاشتباه فيهم، وقبل اطّلاع الإعلاميين على الدلائل التي تشير بوضوح إلى العمالة للعدوّ، إذ بدت ثقة بعض الإعلاميين بالأجهزة الأمنية التي زوّدتهم معلومات عن القضية متفوّقة على الاعتبارات الصحافية المهنية التي تتطلّب الدقّة وتفترض تجنّب استباق التحقيقات القضائية.
وقد يكون مفيداً في هذا الإطار التذكير بأن وجوب انتظار القرار القضائي لا يتعلّق باحترام توزيع المهمات وتنوّع الاختصاص بقدر ما يتعلّق بمنهجية التدقيق في صحّة المعلومات التي جمعت. كذلك فإن القضية ليست أخلاقية بقدر ما هي مهنية، إذ إن وظيفة الأجهزة الأمنية، التي يزوّد بعض ضباطها صحافيين بمواد تصلح لسبق إعلامي، تقتصر على جمع المعلومات الحسية والاستنطاقية وتحليلها وتحديد ما يمكن توظيفه لتكوين مجموعة خلاصات. وغالباً ما تلغى بعض الخلاصات خلال المراحل المتقدّمة من التحقيق. غير أن ما قام به بعض الزملاء، أمس، كرّس صفة شبه مطلقة لخلاصات أجزاء من التحقيقات الجنائية. ولم يتنبّه أحد إلى ضرورة الاتصال بالوكيل القانوني للمشتبه فيهم لعرض موقفه القانوني وللحفاظ على التوازن بين الادّعاء والدفاع لتحقيق العدل.
أما من الناحية الاجتماعية، فبدا التعاطي الإعلامي تصنيفاً سلبياً لا بل تشهيراً بعائلة من بين أفرادها مواطنون أوفياء للقيم الأخلاقية والوطنية، وبقرية جنوبية صمد أبناؤها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير واستشهد منهم أطفال ونساء وشيوخ، وكذلك بإحدى المؤسسات الأمنية اللبنانية الأساسية التي تضم ضباطاً ورتباء وعناصر شرفاء، وتتولى مسؤوليات حساسة منها مراقبة الحدود وإصدار جوازات السفر والتدقيق فيها.