انقلاب في الحياة الليلية، نحن نعيش انقلاباً. هذا ما استنتجته صديقتي سناء. المرأة الأربعينية كانت تعشق «حياة الليل»، تحب الرقص حتى ساعات الصباح الأولى على وقع الموسيقى العربية والأجنبية، شرقي وروك وغيرهما. الرقص لا يحلو في الحفلات المنزلية، المهم بالنسبة إلى سناء كان الاهتداء إلى مرقص أو ملهى ليلي، المهم كان البحث عن مكان جديد. تصله مع شلة من الأصدقاء، تخلع الجاكيت في الشتاء، وقبل أن تطلب مشروباً تهرع إلى الحلبة. إنها الـPiste، السر فيها خشبة مستديرة أو مستطيلة يلتقي عليها الراغبون في الرقص، تهتز الأجساد، تلتقي النظرات، ويغيب الجميع في عالم من الفرح والحماسة التي قد تنتهي مع حلقة الدبكة، أو أية رقصة أخرى من الشرق أو من الغرب لا يهم، «المهم أن نرقص على الـpiste».
لدواعٍ عائلية غابت سناء فترة قصيرة عن ساحة السهر، غيابها لم يتعدّ خمس سنوات، لكنها لم تدرك أن أشياء كثيرة تغيّرت خلال هذه السنوات.
التغيير طال الـpiste، لقد طارت، لم يعد لها وجود حقيقي في نوادي السهر. هذا ما أحدث خيبة أولى لسناء. كيف نسهر أو نرقص بلا الـpiste؟ أرادت أن تجد إجابة شافية لتساؤلاتها، طرحتها على شبان وشابات في العشرين، على أشخاص يعشقون حياة الليل، ونادراً ما يعودون إلى المنزل قبل الفجر.
الإجابة صعقتها، كلهم سألوها باستهجان: الـpiste؟ عما تتحدثين؟
أحدهم عاجلها بسؤال «موديل أي سنة المدام؟». شعرت سناء بأنها تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ، شعرت بأن العالم تغيّر كثيراً خلال خمس سنوات فقط، وأن الليل لا يرحم «السهّيرة» الذين يخذلون قوانينه.
الرقص في النوادي صارت له قوانين أخرى. بدل الـpiste صار الرقص يحصل «sur place» أو على الطاولات، لم يعد الساهرون يبحثون عن مساحات لتحتلها الأجساد المتمايلة، يرقصون وهم شبه متلاصقين، يرقصون على الواقف في مساحة سنتيمترات قليلة، الموسيقى صاخبة دائماً، والتمايل تصاحبه أحاديث ثنائية أو ثلاثية أو...
سناء ما زالت مصدومة. سؤالها الجديد «ماذا بعد خمس سنوات، هل سيرقص الساهرون معلّقين عند السقف؟».