إيلي شلهوبلعلها إحدى أكثر حفلات العربدة والمجون إثارة للاشمئزاز، تلك التي يحييها عباقرة النظام في مصر وأبواقهم منذ أيام. حفلة عهر سياسي، لم تنته فصولها بعد، على شرف المقاومة وفلسطين، يتراقص خلالها دعاة الحل السلمي والتطبيع مع الغيارى على السنّة والسيادة والأمن القومي، على أنغام يخطّ نوتتها ضباط «موساد» يشاركون في «التحقيقات» الجارية في القاهرة.
مهرجان أُعدّ له منذ مدة، وتحديداً قبل حوالى 40 يوماً من العدوان الأخير على غزة. أطلق العنان لصخبه في توقيت مشبوه، عبر أوركسترا جاهزة تُنشد المعزوفة نفسها على مسارح مختلفة، بدءاً من مقارّ الأجهزة الأمنية إلى أروقة النيابات العامة فقبة البرلمان وصفحات الجرائد وشاشات التلفزة...
سمفونية بتيمات ثلاث: أولاها تفجّع على أهل الجماعة، تحت عنوان محاولة يقوم بها بضع عشرات، بينهم لبناني، لتشييع 70 مليون مصري. وثانيتها نحيب على سيادة انتهكت، كأنها غشاء بكارة مراهقة غادرت للمرة الأولى منزل عائلتها. وثالثتها التحذير من أمن قومي دخل دائرة الخطر، كأن جيوش النازية تجاوزت خط ماجينو وبلغت مشارف باريس.
أهو عارض هذيان ثأراً لكرامة مرّغتها وحول غزة يوم تناثر أطفال القطاع أشلاءً تحت حراب قوات الأمن المصرية التي أحكمت الحصار؟ أم هي انتفاضة على عزلة وجد نظام حسني مبارك نفسه فيها، بعد إصلاح ذات البين في علاقة السعودية مع سوريا؟ أو لعلّها تأديب لحركة «حماس» على عصيانها أوامر الباب العالي، في حوار فلسطيني بلا أفق ومفاوضات تبادل ذهبت أدراج الرياح؟ وربما هي محاولة لتقديم أوراق اعتماد لدى حكومة بنيامين نتنياهو، بعد مسامحته على الاستعانة بخدمات أفيغدور ليبرمان؟ أو لفت نظر لإدارة باراك أوباما تستهدف حثّها على إبطاء انفتاحها على كلّ من دمشق وطهران؟... تتعدد الأسباب والهزال واحد.
ـــــ حزب الله الشيعي اللبناني أرسل خلية متعددة الجنسيات إلى مصر لتشييعها. هنيئاً للعقل الاستخباري المحنّك الذي ابتدع تهمة كهذه، في بلد عُرف عنه أنه سنّي المذهب شيعي الهوى. كأن أصحاب نظريات المؤامرة في نظام مبارك يجدون أن هناك مصلحة في دق أسافين مذهبية في بلاد الفاطميين، تضاف إلى حال التشرذم الطائفي التي تنفجر اشتباكات مع الأقباط بين الفينة والأخرى.
ـــــ حزب الله الشيعي اللبناني انتهك السيادة المصرية في سيناء، حيث عملت خليته المعتقلة على تهريب الأموال والسلاح إلى المقاومة في غزة. يقولونها كأنهم يصدّقون حقاً أن هناك سيادة مصرية فعلية على هذه المنطقة، وخاصة عند الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث لا يحق لقوات الأمن المصرية نشر سوى بضع مئات من رجال الشرطة مجهزين بعدد محدد من الأسلحة الخفيفة وناقلات الجند، وحيث يمنع على الطيران الحربي المصري التحليق، وما إلى ذلك من قيود فرضتها معاهدة «كامب ديفيد» السيّئة الذكر. بل أكثر من ذلك، يقولونها كأنهم يجهلون كيف أن خطوط التهريب مشرّعة على غاربها في هذه المنطقة، حيث السكان البدو خارج كنف الدولة التي لم تحتضنهم يوماً، بل عاملتهم دوماً على أنهم خوارج وعملاء وخونة.
ـــــ خلية حزب الله الشيعي اللبناني نفسه تهدد الأمن القومي المصري. لا أحد يوضح عن أي مفهوم للأمن القومي يتحدثون. هل هو ذاك الذي كان سائداً أيام جمال عبد الناصر؟ يومها كان الأمن القومي المصري يمتد من طنجة إلى بغداد مروراً بالخرطوم وحضرموت. كانت إسرائيل عدواً، ومعها القوى الاستعمارية، بريطانية كانت أو فرنسية أو أميركية. وحركات التحرر والمقاومة حلفاء سخى الزعيم الراحل عليها بالمال والسلاح. أم أنهم يتحدثون عن ذاك الذي أرسى أسسه أنور السادات وأدى إلى خروج مصر من حضنها العربي؟ عندها انقلبت الآية وتغيّرت المعادلات؛ أصبحت إسرائيل دولة صديقة وأميركا دولة حليفة وحركات المقاومة والتحرر عبئاً... وعدواً!
حفلة عهر سياسي انقطع فيها عرق الحياء. أيام السادات ما كان أحد يجرؤ على التشهير بالمقاومة علناً، وإن فعل ذلك في الغرف المغلقة. حتى في عز الرحلات السلمية إلى القدس المحتلة ومغازلة مناحيم بيغن، بقي النضال ضد الكيان الغاصب وسام شرف يسعى الجميع إلى التبرّك به. أما في «الزمن المبارك»، فبات الفجور سمة المرحلة، وتقريع المقاومة معزوفة، ومحاولة تهشيمها حرفة من لا موهبة له.