محمد خليل رضاقبل أيام حرّر طالب لبناني في إحدى مدارس بيروت عمره أربعة عشر عاماً، من أيدي خاطفيه الأربعة بعدما اقتادوه وخطفوه عنوة وبالقوة وهو ينتظر كالعادة في الصباح الباكر باص المدرسة ليقلّه إليها. وبقي في الخطف أياماً عدة. وخلال هذه الفترة عاش الفتى البريء ساعات عصيبة وغريبة لم يألفها من سترس (stress) ورعب وخوف وقلق وقلّة نوم وسوء تغذية ومصير مجهول مظلم قد يؤدي به إلى المهالك إذا لم يفرج عنه. كل ذلك من أجل الضغط نفسياً على أهله لقاء فدية مالية «حرزانة»: مليون ونصف مليون دولار أميركي لإطلاق سراحه. وهذه ظاهرة هجينة وغريبة ومرفوضة ومستنكرة ومدانة من المجتمع اللبناني. ولدى اقتحام الشقة حيث كان، جرى الطرق وبقوة على الأبواب من القوى الأمنية لطمأنة الفتى إلى تحريره من خاطفيه، والساعة كانت الثالثة فجراً، ولدى دخولهم الشقة كان الفتى المظلوم ممدّداً على السرير وبكامل ملابسه، موثوق اليدين والرجلين إلى السرير بسلاسل حديدية، ويا للأسف. حصل ما حصل، وأطلق سراحه، وبالتالي جرى اصطحابه والآخرين إلى المديرية، حيث عقد مؤتمر صحافي الساعة الخامسة صباحاً. وأدلى الفتى ووزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي ووالد الفتى وغيرهم ببعض المعلومات والتصريحات للإعلام، ثم توجّه الفتى إلى منزله، حيث كان الجميع بانتظاره والفرحة كانت لا توصف.
سأنقل هذه الحالة بتفاصيلها من ناحية التأثير النفسي على المخطوف وأهله كما يحصل في فرنسا مثلاً. ففي هذه الحالات يوجد في فرنسا «وحدة السترس والطوارئ والأزمات»، إذ ينتقل الاختصاصي في السترس فوراً إلى منزل المخطوف من أجل التحدث إلى أهله بأسلوب علمي خاص: مع الأب، الأم، الإخوة والأخوات والأقارب وغيرهم، ويبقى على تواصل معهم طيلة هذه الفترة لجهة الإفراج عن المخطوف، وإذا اقتضى الأمر ينام عندهم، أو يترك أحداً من فريقه، وكذلك يستكمل الكلام والعلاج النفسي معهم والتعرف إلى السوابق المرضية والنفسية والنفسانية لهذا أو ذاك.
ويختلف الأسلوب والتدخل العلاجي وسواه إذا كان أحدهم يعاني أمراضاً عصبية أو نفسية أو عنده أرضية حساسة لهذه الحالات. كل ذلك من أجل التخفيف أو تحاشي «السترس» بعد الصدمة التي وإن حصلت بعلائمها السريرية المختلفة قد تؤدي إلى حالات عديدة: اكتئاب، قلق، خوف، دوخة، فوبيا، اضطرابات في النوم، محاولات انتحار، انتحار، عدم التركيز، سرعة الغضب والانفعال والتأثر، استرجاع ذكريات الخطف وظروفه، كابوس ليلي، الابتعاد عن الناس، العزلة، الهلوسة من بصرية وشميّة وسمعية وغيرها. أما عند تحرير المخطوف فإنه يُرسل فوراً إلى هذا المستشفى أو ذاك حيث توجد «وحدة السترس والطوارئ والأزمات» من أجل فحصه بدقة وتأهيله نفسياً والتخفيف عن الأيام والساعات العصيبة التي قضاها في الخطف، مع برنامج ترفيهي بحسب عمر المخطوف، والمراقبة والفحوص المخبرية وغيرها أحياناً.
وإذا كان المخطوف طالباً أو عاملاً، ينبغي وضع مدير المدرسة أو المؤسسة في الجو من أجل مراقبته بطريقة ذكية وخبرة لجهة التركيز والحضور الذهني والاستيعابي والتحصيلي ومخالطة رفاق الصف والمدرسة وزملاء العمل، ومقارنة ذلك قبل الخطف وبعده من أجل وضع استراتيجية علاجية فعالة إن حصل خلل في ذلك.