فاتن الحاجعندما هجر أستاذ الرياضيات قاسم يونس (52 عاماً) المدرسة الخاصة إلى التعليم الثانوي الرسمي لم يكن يعلم بأنّه سيقبع في التعاقد 14 عاماً. كل ما كان يخطط له يونس، آنذاك، الانتقال إلى مكان يوّفر له الأمان الوظيفي، ويغنيه عن مزاجية إدارات المدارس الخاصة وتحكّمها في وقت الأستاذ وكفاءاته. كان يونس يراهن على تراكم الخبرات لديه ما سيخوّله النجاح في مباريات مجلس الخدمة المدنية لدخول الملاك. هكذا دخل أستاذ الرياضيات التعليم الثانوي متعاقداً عام 1995 وانتظر 9 سنوات كي تعود وزارة التربية عن سياسة التعاقد الارتجالية وتفكّر في تحديد موعد لمباراة، يُفترض بأنّها إجراء دوري لسد الحاجات. استعدّ الأستاذ للمباراة، لكنّه مُنع من خوضها. أما السبب، فانتماؤه إلى القرى السبع اللبنانية، وأنّه مضى حينها على نيله الجنسية عشر سنوات وشهر واحد، «لكنهم اشترطوا أنّ تكون المدة عشر سنوات وثلاثة أشهر كي يحق لي المشاركة فضاعت الفرصة»، يقول بحرقة. كانت هذه الفرصة الوحيدة أمام الأستاذ الخمسيني للوصول إلى الاستقرار الموعود، فمباراة عام 2008 اشترطت أن لا يتجاوز سن المشارك 44 عاماً.
إذاً، أمضى أستاذنا 14 عاماً في التعاقد بما يعنيه ذلك من غياب الضمانات الصحية والاجتماعية، «وما كان ينقصنا أنّهم منعوا علينا السلفة، ما يضطرني إلى استدانة مليون و200 ألف ليرة شهرياً لإعالة أسرة من 7 أفراد». يبدو يونس اليوم نادماً على الفرص التي أضاعها في الانتظار، وخصوصاً عروض العمل إلى الخارج، لكن ما يعزّيه «أنّ الثانويات الرسمية بنيت على أكتافنا».
تطل قصة يونس على بدعة التعاقد الذي لم يتوقف حتى مع عودة المباراة، إذ تعاقدت وزارة التربية هذا العام بالذات مع أكثر من 100 أستاذ جديد! ولا تنفصل القصة عن أوضاع مئات المتعاقدين من حاملي الإجازة التعليمية، الذين إمّا فاتهم القطار لتجاوز شرط السن أو تعاقدوا لسنوات ولم يحالفهم الحظ في المباراتين لأسباب تتعلق بتغيير المنهجيات وابتعادهم فترات طويلة عن الجامعة، بينما كانت أسئلة المباراة تشترط التحليل بمستوى التعليم الجامعي لا الثانوي. لذا يرفض هؤلاء إعادة التجربة ويطرحون مشروع قانون الألقاب الموضوع على جدول أعمال مجلس النواب. هذا المشروع يسمح بدخول المتعاقدين منذ أكثر من 8 سنوات مباشرة كلية التربية. يرفض رئيس لجنة المتعاقدين حمزة منصور اتهامهم بالهروب لكونهم لا يطالبون بدخول الملاك قبل الخضوع لدورة تدريبية واجتياز امتحان في نهايتها.