مثّلت دراسة أميركية حدثاً في الأوساط العلمية. فريق الباحث تحدث عن صلة بين التعرّض لنوبات انخفاض السكر في الدم وارتفاع خطر التعرض لمرض العته. فتح هذا البحث كوة في الجدار بانتظار المزيد من الأبحاث التي تساهم في إيجاد علاجات جديدة لمرضي العته والسكري من النوع 2

غادة دندش
التعرّض لنوبات انخفاض السكّر القويّة في الدم يرفع من احتمال الإصابة بالعته لدى مرضى السكري النوع 2، وذلك بعد سنّ الـ65 معدلاً عاماً. هذا ما أكّدته دراسة أصدرت نتائجها JAMA المجلّة العلمية الأميركية المختصة. أكّدت الدكتورة راشيل ويتمر من جامعة كايسر برماننت في أوكلاند خلال الندوة الطبية التي جرت في واشنطن أن الدراسة الطويلة التي أُجريت على عدد من المرضى طوال أكثر من عقدين، أظهرت علاقة واضحة بين الإصابة بالعته Dementia وتكرّر حالات انخفاض السكّر في الدمّ Severe Hypoglycemia لدى مرضى السكّري من النوع الثاني Diabetes type 2. وتظهر حالة العته، أو بعض عوارضها، بعد أن يبلغ المريض سنّ السّتين في أغلب الأحيان. والعته هو خلل عقلي تتأثر به الوظائف المعرفية والذكائية كثيراً، ويطال الذاكرة أولاً، كما يطال القدرة على التركيز والنطق والقدرة على حلّ المشكلات حتى وإن كانت بسيطة. هذه العوارض قد يتشارك فيها العته مع الخرف وبعض الأمراض العقلية الأخرى. لكن فحوضاً دقيقة مخبرية وسريرية تسمح بتشخيص العته بدقة. أما انخفاض السكّر في الدم فهو يعني انخفاض مستويات الغلوكوز في مجرى الدمّ إلى درجة أنه يصبح غير كاف لتلبية حاجات الأنشطة المختلفة للجسم من الطاقة. وهو حالة تحدث في معظم الأحيان كأحد مضاعفات علاج مرض السكّري. لكنه يحدث أيضاً وإن نادراً في الأشهر الأولى من الحمل أو بعد صيام طويل أو نتيجة لممارسة رياضة مضنية. عوارض انخفاض السكّر في الدمّ تبدأ من الإحساس بالضعف والسخونة والتعرّق والنعاس والارتباك والجوع والدوار، وتنتقل إلى التهيّج والارتعاش وتسارع دقّات القلب واضطراب النظر، وتؤدّي في النهاية في الحالات القصوى إلى الغيبوبة.



إن تكرار حالة الغيبوبة من جراء انخفاض السكّر في الدمّ يجعل مريض السكّري من النوع 2، أي إنه مريض يعاني نقصاً في إفراز الأنسولين أو ارتفاع نسبة السكر في الدم بسبب عدم تجاوبه مع الأنسولين، وهو قد يكون عرضة إلى الإصابة بالعته في سنٍّ مبكرة نسبياً. لقد أجرت الدكتورة ويتمر وفريقها دراسة تهدف إلى تحديد العلاقة بين حالات انخفاض السكّر الحادة وارتفاع احتمال الإصابة بالعته لدى مرضى السكّري النوع 2. وقد استمرّ العمل في هذه الدراسة طوال اثنين وعشرين عاماً، وقد عمل الباحثون على متابعة حالات انخفاض السكّر في الدمّ (منذ عام 1980)، ثم تابعوا لمدة أربع سنوات (منذ عام 2003) المصابين بالعته، وشملت الدراسة 16667 مريضاً يعانون من السكّري النوع 2. لقد وجد فريق البحث أن 11% من المرضى يعانون من حالات العته و8.8% قد أصيبوا بنوبة إغماء واحدة على الأقل نتيجة انخفاض السكر في الدم، و16.95% من المرضى قد أصيبوا بالاثنين معاً. ولاحظ العلماء أن ازدياد عدد نوبات الغيبوبة من جراء انخفاض السكّر الحاد في الدم يرفع نسبة الإصابة بالعته. فالمرضى الذين أصيبوا بنوبة غيبوبة واحدة في حياتهم ارتفع خطر إصابتهم بالعته إلى 26% مقارنةً بمن لم يصابوا بأية نوبة. ومن عانوا من نوبتين من الغيبوبة ارتفع خطر إصابتهم إلى 80%. أما الذين أصيبوا بثلاث نوبات غيبوبة من جراء نقص السكّر في الدم فقد تضاعف خطر إصابتهم بالعته.
تؤكّد الدكتورة ويتمر أن المراقبة العينية لعدد كبير من الأشخاص خلال سنوات طوال، أظهرت أن مرضى السكّري باتوا أكثر عرضة من السابق إلى الإصابة بالعته. وتضيف ويتمر أن آلية هذه الصلة بين المرضين ليست واضحة كلياً حتى يومنا هذا. لكن الدراسة التي أجرتها مع فريقها ترجّح أن أساس هذه الصلة قد يكون في قدرة انخفاض السكّر في الدم، في حالته الحادة، على التأثير على الخلايا والأنسجة العصبية داخل الدماغ لدى الأشخاص الذين باتوا في سنٍّ يعاني فيها الجهاز العصبي في الحالات العادية التعب والضعف في أداء وظائفه. إن ازدياد عدد المصابين بالسكّري من النوع 2 في العالم وتوزّعهم على مختلف الفئات العمرية، وكذلك ارتفاع نسبة الإصابة بالعته بين المسّنين في السنوات الأخيرة وانخفاض السنّ الوسطية لظهور أولى عوارض العته، كلّها أمور تجعل من الضروري جدّاً استكمال الدراسات والأبحاث من أجل توضيح الصلة القائمة بين الحالتين بدقة. إن ذلك قد يسمح بإيجاد السبل الوقائية والعلاجية من أجل محاربة حدوث هذه الحالات أو تأخيرها. تؤكّد الدكتورة ويتمر أن الحاجة ملحّة إلى تعميق الدراسات العلمية التي تتناول انخفاض السكّر في الدم في حالته الحادة والأداء العقلي والأمراض التي تطرأ عليه على اختلافها والصلة بين هذه الحالات.