ابن الجولان السوري المحتلّ، غادر الطفولة باكراً وجرّب مهناً شاقّة بسبب الظروف الصعبة. الشاب الخجول عاش الحبّ حلماً، لكنّه تحوّل إلى ممثّل نجم، ومخرج «ديكتاتور» خلف الكاميرا. وها هو صاحب التجربة المميزة في مجال الدراما السوريّة، يتقدّم بخطى واثقة نحو الفنّ السابع
إيمان الجابر
يؤمن حاتم علي بأنّ الإنسان ابن خياره وصنيعة جهده. الأمكنة التي نولد فيها ونترعرع، تؤثّر في تكوين شخصياتنا لكنّها لا تصنعها. لا يردّ المخرج السوري نجاح أحدهم أو فشله إلى بيئته الأولى، وخصوصاً أنّه هو نفسه لم ينشأ في أسرة هيّأت له الظروف المناسبة لنمو موهبته. حاتم هو الأخ الأكبر ضمن أسرة مؤلفة من ثمانية إخوة وأم وأب. وهو الوضع الذي أخرجه باكراً من عالم الطفولة. جرّب مهناً شاقّة كثيرة، من عامل بناء وجابي فواتير المياه إلى العمل كبائع جوّال، تماماً مثل هالا في مسرحيّة «هالا والملك» للأخوين الرحباني، التي أخرجها سينمائياً في فيلم «سيلينا» المعروض حالياً في الصالات.
أسرة حاتم علي، عايشت الحرب والنزوح والعيش على أطراف دمشق وفي المخيمات الفلسطينية ... وعانت ظروفاً اقتصادية قاهرة حوّلت الطفل الصغير إلى أب ثانٍ لإخوته. ابن الجولان السوري المحتل، غادر مدينة فيق التابعة لمحافظة القنيطرة، المطلّة على بحيرة طبريا، حين كان في الخامسة من عمره، نازحاً مع أسرته إلى الشام. كان والده جندياً في ما عرف حينها بـ«الحرس الشعبي»، وأصيب في حرب 1967. وبعدما ظنّت الأسرة أنّه استُشهد، اكتشفت وجوده جريحاً في أحد مستشفيات دمشق.
لم يكن حاتم ليتخيّل نفسه في أحد الأيام أمام ذكريات نزوح عائلته القاسي. حين أخرج «التغريبة الفلسطينيّة» (2004)، استعاد من خلف الكاميرا مشاهد مرحلة التهجير والعيش في المخيمات، في رحلة معتمة ومؤلمة داخل الذاكرة. الطفل «صالح» الذي يحمله خاله «مسعود» على كتفه بعد التهجير في «التغريبة»، لم يكن إلّا حاتم نفسه الذي حُمِل على كتف خاله بالطريقة نفسها. «تفاصيل واضحة وأخرى مشوّشة وملتبسة لم أكن أدرك أنّها موجودة. وقد أعدتُ تركيبها بعدما اكتشفتُها من خلال العمل نفسه!».
إنجاز عمل عن القضية الفلسطينية كان حلماً صعباً، مع غياب شركات تتبنّى إنتاج هذا النوع من الأعمال بسبب صعوبة تسويقه. لكنَّ حاتم تمسّك بالفكرة: «لم أعتبره مجرد عمل، بل ترقّبته كالإنجاز الأهم في حياتي، لسبب بسيط هو أنّه جزء من ذاكرة مؤلفه ـــ الكاتب الفلسطيني وليد سيف ـــ وذاكرتي أيضاً. أحسستُ بأنه يخصني أكثر من أي عمل آخر». حالة عاطفية جامحة رافقت إنجاز المسلسل الذي فتح باب الذاكرة على مصراعيه مضيئاً على تفاصيل وشخصيات وأمكنة... كأنَّه شريط سينمائي صوِّر في زمن النكبة وأعيد تصويره في النكسة، وآن أوان عرضه بتوقيع حاتم علي في مطلع الألفيّة.
بدأت رحلة صاحب «الزير سالم» (2000) نحو تصوير ذاكرته، في مخيم اليرموك في دمشق. هناك، تعرَّف إلى مجموعة من الأصدقاء يهتمون بالأدب والفن والمسرح، وبدأت علاقته مع الكتابة تتعمّق. «كنّا نتبادل مجلّدات «حمزة البهلوان»، وهي سيرة شعبية فيها خيال جامح يختلط التاريخي فيها بالمختلق، والشعر بالسجع. عالم غنيّ بقصص الحب والمعارك والخيانات، يشبه «ألف ليلة وليلة» تماماً” يخبرنا.
كان لا بدّ من توفير أجرة الباص، والذهاب مشياً على الأقدام إلى «الثانوية المالكية» (التابعة لوكالة الغوث الدوليّة ــــ «الأونروا») حيث تابع دراسته من أجل دفع أجرة كتاب. هكذا بدأ يكتشف روائع الأدب العربي والعالمي، وساعدته مطالعاته المكثّفة على اكتشاف ذاته. صار يكتب القصص والخواطر وينشرها في المجلات، ويشارك في مسابقات قصص قصيرة. «كان أمراً ممتعاً أن أرى اسمي منشوراً في المجلات»، يقول. لكنّ الأمر تخطّى مجرّد المتعة، إذ نشر الشاب مجموعته القصصية الأولى «موت مدرس التاريخ العجوز»، والمجموعة الثانية «ما حدث وما لم يحدث»، و«ثلاثية الحصار» التي هي عبارة عن ثلاث مسرحيات كتبها مع الممثل الفلسطيني زيناتي قدسية.
الكتابة كانت حالة تعبيريةً مناسبةً لطبعه الخجول. قصص حبّه عاشها في أحلامه، نتيجة هذا الخجل. «كنت أحلم بقصص حب لم أجرؤ على تحويلها إلى واقع. خجلي الشديد كان يدفعني إلى تغيير طريقي إلى البيت، وخصوصاً أنّه من عادة أهل المخيم الجلوس أمام الأبواب. كنت أهرب من نظراتهم الفضولية». لكنّ الشاب الخجول تحوّل إلى نجم تلفزيوني يعيش قصص حب على الشاشة مطلع التسعينيات في مسلسلات مثل «هجرة القلوب إلى القلوب» لهيثم حقّي، و«الجوارح» لنجدة أنزور، ثمّ انتقل للعمل مخرجاً، في أعمال طبعت في ذاكرة الجمهور كالـ«الفصول الأربعة» بجزءيه (1999، ثم 2002) الذي شاركت زوجته الممثلة والمحامية دلع الرحبي في كتابته مع ريم حنا. نسأل كيف تجاوز خجله ليصبح بعد ذلك ممثلاً مسرحياً، وأستاذاً في قسم التمثيل في «المعهد العالي للفنون المسرحية» الذي تخرّج منه (1986)؟ كيف أصبح الهارب من العيون مخرجاً جريئاً واثقاً بموهبته، يكاد يكون ديكتاتوراً في مواقع التصوير؟ يأتي الجواب مقتضباً ومعبّراً: «بالتدرّب على التعبير عن نفسي بكل الوسائل الممكنة».
إيقاع العمل التلفزيوني الظالم الذي يقتطع وقت التصوير من الحياة نفسها، وظروف المهنة التي تمنعه كمخرج من بناء علاقة إبداعية مع الممثل، إضافةً إلى التدقيق في التفاصيل الفنية... كلّها عوامل توتّره. بل تدفعه أحياناً إلى درجة من الانفعال والغضب، تكاد تُنسيك أنّ الواقف أمامك هو نفسه حاتم علي صاحب الشخصيّة الهادئة الخفرة. جديّته الكبيرة جعلته ينجز أعمالاً مميّزة في الدراما التلفزيونية، وخصوصاً الثلاثية الأندلسية: «صقر قريش»(2002)، «ربيع قرطبة»(2003) و«ملوك الطوائف»(2005). وهذه الثلاثيّة أسست لعلاقته المميزة بالكاتب وليد سيف، الذي كتب أيضاً المسلسل الملحمي التاريخي «صلاح الدين الأيوبي» (2001). حاتم علي ناشط في مجال الإنتاج، يشرف من خلال شركته «صورة» على إنجاز أعمال تلفزيونية. «إنجاز ما يزيد على 15 دقيقة في اليوم، بالجودة المطلوبة يصبح مستحيلاً من دون إيقاع صاخب، يكاد يكون غير إنساني. تصيبني حالة من «النرفزة»، عندما أكتشف أن العناصر الأخرى في العمل غير مستعدة للانخراط ضمن هذا الإيقاع». هذه النزعة المثاليّة العالية جعلت أحد الأشخاص العاملين مع حاتم علي يقول متندراً: «كأنّنا فرقة عسكرية»!
بدأ حاتم علي اليوم يثبّت خطاه باتجاه حلمه السينمائي، بعدما تعب من التلفزيون رغم الجوائز التي حصدها فيه. عمله «الملك فاروق» (2007) لاقى نجاحاً جماهرياً، رغم تحديّات خاضها لإنجازه على مختلف الصعد. وقد أسس من خلاله علاقة إبداعية مع الكاتبة لميس جابر التي سيصوّر من كتابتها قريباً فيلم «محمد علي» من بطولة الممثل المصري يحيى الفخراني.


5 تواريخ

1962
الولادة في القنيطرة، الجولان المحتلّ (سوريا)

1986
تخرَّج من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق

1989
تزوج الكاتبة والمحامية والممثلة دلع الرحبي

2008
حصل على جوائز من مهرجانات عربية عن عملَيه «الملك فاروق» و«على طول الأيام»، وأنجز مسلسل «صراع على الرمال» وعملين سينمائيين: «سيلينا» و«الليل الطويل» الذي لم يعرض بعد

2009
عرض فيلم «سيلينا». مباشرة العمل على «محمد علي»