هل علينا في ذكرى الجلاء أن نحتفل، أم أن نسعى مجدداً للإستقلال؟ فالمشهد الجيوسياسي في المنطقة جعلني أعيد النظر في معنى الجلاء ومدى اكتماله
سوريا ــ نجيب مظلوم
طلب مني صديق أن أكتب مقالا عن ذكرى الجلاء في سوريا فلم ترق لي الفكرة بادئ الأمر، لكثرة ما كتب عن هذه المناسبة الوطنية من مقالات وقصائد، ولكثرة ما استُنفدَ البحث في معاني جلاء الفرنسي ثم أعوانه من الاقطاع والبرجوازية الصغيرة، رغم ولادة نظرية عبدالله سميث حول اقتصاد السبق الاجتماعي وغيرها، من رحم اشتراكيتنا.
هل أن جلاء الفرنسي عن تراب الوطن يجعلنا نحتفل بعيد الجلاء وكأنه لم يعد هناك من مستعمر أو منتدب أو غاصب؟
وهل يعتبر الجلاء مكتملا رغم وقوعنا في دائرة النفوذ الأمريكي بتعدد أقطابه الاقليمية منذ الجلاء وحتى يومنا هذا؟ نفوذ ترجمه حلف بغداد، أو جسّده شاه ايران، أو المحور السعودي أو المصري أو كليهما، ويترجمه اليوم التواجد العسكري المباشر لقوات اليانكيز الامريكية في منطقتنا العربية أو الحروب التي تديرها اسرائيل بالنيابة عنها.
أم هل يعتبر الجلاء ناجزا عندما لا يكون بعض أبناء الوطن واعياً لخطورة الأداة الاستعمارية الحديثة التي تقصف بالعيار المدفعي الإعلامي الثقيل على البنى التحتية لأدمغة مواطنينا كي لا يشعروا أنهم بحاجة إلى معنويات أجدادهم نفسها في مقارعة الانتداب الفرنسي؟
أداة تيصوّر الاستعمار على أنه معركة ديمقراطية تقودها واشنطن ضد أنظمة متسلطة كما كانت فرنسا في وقتها تدّعي تعليمنا الحضارة لنصبح مؤهلين قانونيا كدول قسمتها على هواها مع بريطانيا لتسهل قيادتها؟
يبدو أننا نتعلم اليوم معاني الوطنية والجلاء من الأنظمة العربية المعتدلة، ونتعلم كل يوم أن مقاومة المحتل لا تخدم الجلاء، وعدم التخلي عن أرضنا المحتلة هو تشدد غير مبرر وأن المقاومين يجب أن يزجوا بالسجون «وعبر القانون»، لأنهم ثلة مغامرين يتلاعبون بأرواح أبناء وطنهم (كأنه لم يسقط في الاتحاد السوفييتي خمسة عشر مليون إنسان لكي يتخلص من النفوذ والاحتلال الإلماني، وكأن الفيتنام والجزائر نالتا استقلالهما بزراعة الورود البرتقالية أو القرمزية، وكأن الأمريكيين الشماليين نالوا استقلالهم من بريطانيا بسندويش الماكدونالز).
مع ذلك، الجلاء عيد وطني عظيم في ذكرى استعمار آفل، إلا أنه يشكّل كذلك ناقوس خطر يذكرنا دوما بضرورة المطالبة باستقلالنا.. استقلالنا الناجز الذي لطالما حلم به وعمل عليه أباؤنا من رجالات الإستقلال.
عيد يذكرنا بأن الانتداب لايزال قائماً، وإنْ تغيرت أشكاله وأصبح أكثر نعومة في ظاهره، تقلّم أظافره بعض وسائل الإعلام ليصبح «وجهة نظر» مقبولة. رجالات الإستقلال اليوم هم المقاومون. أما شعار الجمعية العربية للمطالبة بالاستقلال (وطنية وهمية)، بمناسبة ذكرى الجلاء، فسيكون: «لنساهم جميعا في إستقلال بلادنا».