كيف نكتشف موهبة طفل ما؟ ما دور الموهبة في تنمية قدرات الطفل؟ لماذا يسيئ بعض الأهل إلى أولادهم بالتركيز على التلقي الأكاديمي فيقتلون مواهب الصغار؟ أسئلة نردّدها حين نلتقي أولاداً يتمتعون بموهبة ما (الرسم، الموسيقى، الكتابة...)، يسحروننا بأدائهم وأسئلتهم ووعيهم المبكر مقارنةً بأقرانهم
زينب زعيتر
سحر (٤ أعوام)، لم تدخل المدرسة، لكنّها تحب الرسم كثيراً، وتقلّد رسوماً تقع عليها عيناها، والد سحر هو أيضاً يحب الرسم ويمارسه كهواية، «أدّت الجينات الوراثية دوراً في ذلك» تعلّق أمها سناء، وتؤكد أنها لا تدّخر جهداً لدعم موهبة ابنتها، وأنها ستسجلها في معهد متخصص لتعليم الرسم إلى جانب المدرسة. «سحر متذوقة للفن، وتبدي رأيها في الرسوم التي تراها، بل إنّها تعيد رسمها بأسلوب تراه أفضل».
علي (١٤ عاماً) يعشق كرة القدم، ويشارك في المباريات المدرسية ومباريات مع الأصدقاء، يقول «أريد أن أصبح لاعب كرة قدم مشهوراً، حصلت على عدد كبير من الميداليات في المدرسة، ولا أريد أن أبقي حبي لكرة القدم مجرّد هواية»، أمّا والده، فيتمنّى أن يعزز علي هوايته بالتدريب المكثّف دون أن يؤثّر ذلك في تحصيله الأكاديمي، ويردّد أمام ابنه «الشهادة أهم من الكرة».
أمّا أحمد (12 عاماً)، فيحب الشطرنج كثيراً ويلعب كمحترف، والده كان أيضاً يحب هذه اللعبة في صغره، لكنه مُنع من الاشتراك في المسابقات ليصب اهتمامه على دروسه. ويقول الوالد:«لن أكرر التجربة مع أحمد بل على العكس سأشجعه بكل الوسائل المتاحة».
طارق ( ١٢ عاماً)، يبدي براعةً في كتابة النصوص الإنشائية، وينال أعلى العلامات في مسابقات الإنشاء، يقول « أقرأ الكثير من الروايات، وأحب الشعر، ويعجبني أسلوب جبران خليل جبران في الكتابة». يفخر والدا طارق بابنهما ويأملان «أن يصبح كاتباً وشاعراً مهماً في العالم»، ينمّيان لديه حس المطالعة، ويبديان رأياً في كل ما يكتب، ويشجعانه على الاستمرار في الكتابة.
«إذا كان الإبداع يعني الخروج عن المألوف، فوراء هذا الإبداع شخص موهوب مبتكر، يتمتع بقدرة خاصة تميّزه عن الآخرين في عدد كبير من المجالات غير الأكاديمية، كالفنون والألعاب الرياضية والمجالات الحرفية المختلفة. وتسمّى هذه الحالة اللاتزامن، بمعنى أنّ قدرات الموهوب لا تتناسب مع عمره الجسدي والفكري، وهو أيضاً يمتاز بنشاط حسّي حركي، وبتفتّح ذهني، ولديه القدرة على التحليل المنطقي والخيال». هكذا تعرّف الدكتورة فاطمة هاشم (دكتوراه في علم نفس الطفل، وعلم النفس العيادي)، الطفل الموهوب وتقسّم الحديث عن مواهب الأبناء إلى قسمين.
يتعلق القسم الأول بمواهب الأبناء في الفترة التي تسبق دخولهم المدرسة، والثاني بعد دخولهم إليها. وتقول «يلاحظ الأهل أنّ ولدهم لديه بعض الخصائص التي تميزّه عن بقية الأولاد، في الرسم أو اللعب، أو الموسيقى. وعلى المستوى الفكري هو ولد يطرح الكثير من الأسئلة، ويتحدث بأسلوب منطقي مختلف عن بقية الأطفال في مثل عمره». ولكن هاشم تحذّر أيضاً من أن «بعض الأهل ينظرون إلى الطفل الموهوب باعتباره حشرياً، يطرح الكثير من الأسئلة، يتجاهلونه ولا يعيرون موهبته اهتماماً، فيما يجدر بهم الاعتراف بالموهبة والالتزام بالعمل على تنميتها، وإلّا فسوف يتعرض الموهوب لحالة من الانكفاء»، أي إنه يبتعد عن المجتمع والمحيط، ويفضّل الصمت والكتمان بدلاً من التعبير عن المشاعر. إذا لم تشجّع الموهبة، فقد ينسى الطفل موهبته.



تؤكد هاشم أن «المستوى الثقافي للأهل له تأثير، ولكن لا نستطيع القول إنّ الأهل المثقفين وحدهم قادرون على حماية موهبة الطفل، لكنهم أكثر قدرة على اختيار ما يناسبه، وهم أقرب إلى الأمور والمواضيع الثقافية، ويمتلكون أجوبة عن أسئلته».
بالنسبة إلى هاشم «تُعدّ الأم المكتشف الأول للطفل الموهوب، وعند دخوله المدرسة يتنبّه المعلّم إلى أن هذا الطفل متميز عن غيره في الرسم، أو الموسيقى، أو في طريقة طرحه الأسئلة، أو في أسلوبه في التعبير واللغة التي يستخدمها، وكذلك من خلال معارضته لأستاذه في الصف، ومناقشته في كل ما يقول».
عن الربط بين الموهبة والتفوق في المدرسة، تقول «التفوّق الدراسي ليس معياراً أساسيأ لقياس موهبة التلميذ، ثمة أولاد يحفظون ويدرسون مثل الببغاوات، ويكونون من الأوائل في الصف، ولا يحملون أية موهبة. فالموهبة تعني مجموعة من الذكاءات على عدة مستويات في الحياة الاجتماعية، والعاطفية والمدرسية، وفي المحيط العائلي ومع الأصدقاء. والتفوق المدرسي هو مجرّد إشارة من الإشارات التي قد تدل على أن الطفل موهوب، إضافةً إلى معايير أخرى مثل الوعي المبكر والنضج الفكري والفهم، وحتى النمو المبكر على المستوى اللغوي والقدرة على سبك جمل وأداء لغوي معيّن صحيح. ويجري التركيز على الموهوب في المدرسة أنّه يظهر هذه الإشارات في سلوكياته في الصف والملعب ومع رفاقه».
بحسب هاشم قد يتعامل المعلم مع الطفل الموهوب في الصف بطريقتين مختلفتين سلبيّتين. إذ قد يعطي المدرس الأهمية الكاملة للموهوب في الصف، حيث يمنحه الفرص الدائمة للتعبير والمناقشة، وهذا ما يثير غيرة رفاقه، أما الطريقة الثانية، فهي حين «يشعر المدرس في بعض الحالات بأنّه في حالة عداء مع الطفل الموهوب لأنّه يتكلم باستمرار ويناقشه دائماً، فيتحدّاه ولا يعطيه المجال للكلام أو التعبير».
الطريقة المثلى للتعامل مع الطفل الموهوب بحسب هاشم هي بأن لا يجري تمييزه عن التلامذة الآخرين، ولا يمكن الأستاذ أن يتجاهله في الوقت نفسه، عليه أن يشجّعه دائماً».


تؤيد هاشم فصل الموهوبين المتفوّقين في مدارس خاصة، «فالطفل الموهوب قد ينتج حركة جسدية زائدة أثناء الدرس بسبب الملل، لأنّه يستوعب الدرس بسرعة، ولا يحتاج إلى التكرار كما هي حال بعض زملائه، على أن تضمّ هذه المدارس أساتذة أكفاء مختصّين، يدركون كيفية التعامل مع الطفل الاستثنائي»