فادية حطيطالمحامون الأكفياء ودارسو القانون النجباء والأساتذة الشرفاء والمواطنون المهذبون والموظفون المثابرون والنساء الملتزمات ـــــ ولنترك جانباً من ليست تنطبق عليهم هاته الصفات ـــــ كل هؤلاء يطالبون بثقافة القانون. وكثيراً ما أسمع من أعرف منهم ينقّون من كوننا في لبنان بعيدين عن ثقافة القانون. وأنا أوافقهم على ذلك النق فوراً ومن دون أي تمحيص. ولكني حين أفكر جيداً في الموضوع أنتبه إلى أني لم أعرف يوماً أي قانون مسيّر لحركتي بعمق. مثلاً لم يحدث أني اطلعت يوماً على القانون الذي يحكم وظيفتي كأستاذة في الجامعة مثلاً، ولم يحصل أني قرأت بنود قانون الجامعة ولا مرة منذ أن بدأت بالتعليم الجامعي من عشرين عاماً. مع ذلك حتى الآن سارت الأمور بدون عواقب وخيمة، جل ما في الأمر بعض الهفوات التي أمكن إصلاحها بالنظر إلى الجانب الإنساني وحسن النية.
وأنا حتى أمد قريب كنت مرتاحة كثيراً لفكرة اتباع القانون، لأني على يقين تام بأن القانون ضرورة لا مندوحة عنها، وليس بإمكان المؤسسات أو الأفراد السير طبيعياً بدونها. ونحن جميعاً نستبطن أسسه حتى ولو لم نطلع عليه مباشرة، إما من خلال تنفيذ التعليمات التي تأتينا ممن هم أعلى منا، أو من خلال التماهي مع زملائنا الأسبقين، أو من خلال الاطلاع على بعض القضايا في وسائل الإعلام أو في الأحاديث الجارية.
ولكن مسارات بعض الاجتماعات التي شاركت فيها أخيراً جعلتني أشعر بحساسية مستجدة كلما نطق أحد زملائي بكلمة قانون. ولاحظت أننا على وجه العموم لا نأتي على ذكر القانون إلا في حالتين، الأولى هي عندما تكون الأمور سائرة على غير الوجه المقرر، وهذا أمر مفهوم، والحالة الثانية عندما يعرض أحدنا تغييراً ما أو يفكر باستحداث أمر جديد، إذ ينبري على الفور أحد الزملاء من أولئك المعروفين بضلوعهم بشؤون الجامعة فيقول له «القانون لا يسمح بذلك». يحاول بعضنا أن يلتف على الموضوع وأن يناقش المسألة من زاوية أخرى، ولكن عبثاً، ذلك أن الأعضاء المجتمعين ما إن يسمعوا هذه العبارة حتى تبرد همتهم، بعدما كانوا متحمسين. ترعبهم فكرة أن القانون لا يسمح، فيشعرون كما لو أنهم يقترفون ذنباً أو أن أحداً سيحاسبهم يوماً. لذلك يتغير الموضوع بسرعة، من دون التساؤل هل فعلاً «القانون لا يسمح بذلك»؟ ألا يمكن أن يكون عدم معرفتنا بأبعاد القانون، أو أن جمود أولئك المتمسكين بحرفيته هو الذي يجعل الأمور تبدو على هذا النحو؟ وبالنتيجة نرى أنفسنا ملزمين بنسيان الاقتراح والسير في الطريق المرسوم سلفاً. فهل القانون يعني أن ثمة منوالاً علينا ألا نحيد عنه؟ وإذا خطرت في بالنا فكرة جديدة فكيف سننفذها إذاً؟ وإذا اجتمع الأعضاء على جودة فكرة معينة من شأنها أن تحسن العمل، فكيف ولماذا يكون القانون مانعاً لها؟ فهل القانون ضد التطوير؟ للإجابة عن هذه الأسئلة نحتاج إلى ثقافة القانون، ولكن ليست تلك القائمة على تلقينه، بل تلك القائلة بأن القوانين وضعت لمصلحة المؤسسات وتطويرها وإلا وجب تغييرها.