رغم تجاوزها السبعين، لا تتردد في هجر المسلسلات كلّما سنحت لها الفرصة للوقوف على خشبة المسرح. «أقدِّم للناس واقعهم بلا زيف»: هكذا تفسّر مشاركتها الأخيرة في أدوار سينمائيّة جريئة. البنت «الشقيّة» التي أبصرت النور في حيّ السيدة، تركت معهد المعلمات لتلتحق بالمسرح، واليوم تهتمّ بعائلتها وعملها، وتسهر على حديقتها... «كأي ستّ مصريّة جدعة»
دينا حشمت
تشرف على ثلاثة أشياء في الوقت نفسه؛ تعطي أوامر للتأكد من نظافة البيت، تستقبل فرقة إنتاج وإخراج جاءت لتحوّل منزلها إلى موقع تصوير، تشاكس «الجنايني» المشرف على الحديقة. الكل يلتف حولها في صخب وألفة تلقائية. «كلهم زي عيلتي» تقول، قبل أن تتركنا دقائق، لتتابع أمراً ما في الخارج، مفسحة لنا الوقت الكافي كي نتأمل صورها على الجدران، وسط الجوائز والميداليات. يؤكد خالد الذي أشرف على بناء الفيلا أثناء إقامتها في الكويت مع زوجها: «مدام عايدة عمرها ما حسستني إني بشتغل عندها. أنا معايا مفاتيح البيت، ومسؤول عن كل حاجة هنا». تستقبلني عايدة عبد العزيز في «عزبة» تتوسط مزرعة من أشجار المانغو والعنب على طريق مصر ـــــ إسكندرية، في منطقة كانت صحراوية وتحوّلت إلى فلل ومزارع (فيلا هالة صدقي ليست بعيدة). كان يُفترض أن نلتقي في استوديو «سنبل» القريب، لكنّ محمد صبحي ألغى طلب تصوير مسلسل «يوميات ونيس وأحفاده» الذي يعرض في شهر رمضان. «شفتيني فين»، تسألني متفحّصة. أحكي لها أني رأيتها منذ سنوات على خشبة المسرح في دور «ماري» التي تمزقها مرارة عدم الإنجاب في مواجهة الممثل «المتألق» علي حسنين، على حد تعبيرها. كان ذلك في مسرحيّة سعد الله ونوس في «أحلام شقية»، كما أخرجها محمد أبو السعود، وقد نجحت حينذاك في تحويل عبارات الكاتب السوري الراحل إلى لحم ودم، بذلك الصوت الذي يميّزها عن غيرها من الممثلات. «كان إحساسي بهذا الدور قوياً جدّاً. لهذا كنت متألقة فيه، مش كدة؟». جاءت عايدة عبد العزيز إلى المسرح مصادفةً. البنت التي ترعرعت وسط أسرة بسيطة في حيّ السيدة زينب برعاية أب سعيد بذكائها، كانت تعد نفسها أن تكون مدرّسة رسم. حصلت على دبلوم «معهد المعلمات» عام 1956، ثم عُيِّنت في «مدرسة السنية الإعدادية». لا تحكي كثيراً ولا تدخل في التفاصيل. تقول جملة، جملة مقتضبة، «كنت بنت حلوة كدة وشقية شوية». ثم تفاجئك بضحكة قصيرة مجلجلة، وتستمر في الشرح: كيف طُلب منها أن تتولى مسؤولية «جمعية التمثيل»، وكيف دخلت «المعهد العالي للفنون المسرحية» بعد امتحان غنّت فيه «مصر التي في خاطري وفي دمي». هناك تدربت على أيدي عمالقة مسرح هذا الزمن بينهم جورج أبيض. «رجل كبير وتخين» تتذكّر عنه اهتمامه بأنّ «الممثل يطلّع صوته». «كان يقول لي: أنت هائلة. تخرجت من أكاديمية الفنون، أولى على دفعتي، ونلتُ جائزة من جمال عبد الناصر في عيد العلم». أول مسرحية مثلتها عايدة كانت «أوبريت يوم القيامة» (1961) على المسرح الغنائي. ثم قررت التخلي عن بعثة إلى روسيا لترافق زوجها أحمد عبد الحليم عام 1962 إلى لندن حيث مضى لاستكمال دراسته العليا في التمثيل والإخراج. تتحدّث عن رفيق العمر بحماسة عروس شابة. تتذكّر أنّه متخرّج من «الكلية الملكية للدراما» مثل دور «عطيل» على خشبة المسرح الإنكليزي.
استغلّت فرصة إقامتها في مدينة الضباب لدراسة الصوت والحركة المسرحية في جامعة لندن، إلى جانب تربية ابنتها وابنها. عندما عادوا إلى مصر في عام 1967، استأنفت نشاطها في مسارح الدولة. قدمت مسرحيات «دائرة الطباشير القوقازية» و«النجاة» (1969). تتحدث بمرارة عن تجربة زوجها عند عودته: «كان يُفترض أن يعمل أستاذاً في أكاديمية الفنون، لكنهم أخذوا كل مَن جاء من روسيا، أيام الشيوعية بقى. ومن جاء من إنكلترا، كان كأنه جاء من إسرائيل!». اعتبارات سياسية كانت من وجهة نظرها ضمن أسباب تدهور الحركة المسرحية المصرية «المنحطّة» حالياً. «قد يقوم اليوم أي شخص بالتدريس في معهد الفنون المسرحية. ليس هناك تفرغ للتمثيل. يتصورون أن التمثيل والشهرة للمنظرة فقط».
مع تزايد ضغوط الحياة، ودخول الأبناء نظام تعليمي بالإنكليزية، قرر زوجها السفر إلى الكويت. التحقت به، فانقطعت فترةً طويلة عن المسرح، مع أنّها لم تستقر تماماً في الخليج. لكنها منذ عودتها، لم تفوّت فرصة نص مسرحي جيّد. «المسرح حياتي» تكرر ولا تتردد في العودة إليه، رغم سنوات أمضتها في الاستوديو ممثّلة في المسلسلات. «إن لم تتح لك فرصة في المسرح، فلا بد من التلفزيون. لا بد من المساهمة فنياً. أحب الفن، ولا أقدر أن أنتظر أن يتفضل المسرح عليّ وربِّنا يرزقني بمسرحية». لكنها لم تكتف بالتلفزيون، بل كانت لها أيضاً تجربة ناجحة في السينما. مثلت في «خرج ولم يعد» لمحمد خان، وفي «النمر والأنثى» مع عادل إمام في الثمانينيات. حازت جائزة أفضل ممثلة ثانوية عن فيلم «بحب السيما» (2004) للمخرج أسامة فوزي الذي اختارها أيضاً في فيلم سابق «عفاريت الإسفلت» (1996).
«أقدم للناس واقعهم بلا زيف، دائماً». هكذا ردت على من رأى في هذه الأعمال الأخيرة «تجاوزاً للأخلاق». تماماً مثلما فعلت في «خلطة فوزية» (2008) للمخرج مجدي أحمد علي، حيث تمثل دور أم مهووسة بقبرها، يجمعها مع ابنتها (إلهام شاهين) مشهد استحمام حميم ومرح، أدته ببساطة جريئة، أظهرت قدرتها على الاندفاع في أدوار متنوعة، والحماسة لشخصيات جديدة.
رغم الأدوار الناجحة في السينما، تعود دائماً إلى الحديث عن المسرح. تعتز بدورها في «عودة الغائب» مع محمود ياسين، وفي «الست هدى» مسرحية أحمد شوقي الشعرية. رغم إنتاجها الغزير، ما زالت تجد الوقت لمتابعة أمور الحياة اليومية بنفسها. كانت في فترة مسؤولة مجلس إدارة العمارة التي تسكنها في حيّ «مدينة نصر». «أفعل كلَّ شيء بنفسي» تقول. «أراعي البيت وزوجي، وابني وابنتي التي تعيش في ألمانيا، كأيّ ست مصرية جدعة». في حرب 1973، كانت تستخدم سيارتها «الفولسفاغن» المستوردة من ألمانيا «لنقل المتبرعين بالدم». «أنا مش دلوعة» تؤكد في ختام اللقاء، قبل أن تأخذني من يدي لتطلعني في ألفة وتلقائية على صور عائلية تجمعها مع الأبناء والأحفاد.


5 تواريخ

1936
الولادة في حي السيدة زينب، القاهرة

1960
تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية

1996
كرّمها «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي»

2003
شخصيّة ماري في مسرحية سعد الله ونوس «أحلام شقية» (إخراج محمد أبو السعود)

2009
بعد النجاح الذي حصده فيلم «خلطة فوزية» (2008)، تصوّر مع محمد صبحي مسلسل «يوميات ونيس وأحفاده»