في محترفه الصغير، تحاصرك فلسطين امرأة «منحوتة» القد والقوام. هناك، يعمل محمد بصمت المقاومين لإعادة الاعتبار إلى هويته المنبوذة من البعض
البقاع ـــ نيبال الحايك
« فلسطيني... وكمان فنان». لا يمل النحّات الفلسطيني محمد صوان (31 عاماً) من تكرار هذه الجملة أمام زوّاره. في محترفه الصغير في بلدة المنارة في البقاع الغربي، يقطن محمد مع أسرته التي لم تتعب من الترحال على الأراضي اللبنانية، إلا بعدما استقرّت على «مرمى حجر» من فلسطين التي جسّدها محمد «امرأة» في معظم منحوتاته الخشبية والبرونزية.
أن تكون فلسطينياً في لبنان، ويصفعك في أغلب الأحيان امتعاض بعض «عنصريي» الوطن المميز من فلسطينيّتك، ليس بالأمر المستجد. ولكن، أن تكون فناناً لاجئاً، فهذا هو المستغرب والمثير لدهشة بعض هؤلاء كما يقول محمد، الذي يصف نفسه بـ«المقاوم الصامت» بانتظار تحقيق حلمه بالعودة إلى وطنه فلسطين، وإلى قريته «بيريا» في قضاء صفد.
محمد، الذي شارك في معارض لبنانية وعربية، كان آخرها معرضه في المركز الثقافي الفرنسي بمدينة زحلة، يفتخر بكونه فلسطينياً، وبأن جده أمين، المقاول الكبير، كان قد شارك في بناء وزارة الدفاع اللبنانية، وسد القرعون، ومحطة كهرباء الجمهور، قبل اندلاع الحرب الأهلية التي «شوّهت» صورة الفلسطيني في أذهان الللبنانيين.
ولد محمد في بيروت ونشأ في كنف عائلة تعشق الفنون ولا سيما الفن التشكيلي.
«والدي فنان تشيكلي، درس الفنون والأشغال اليدوية في مدارس الأونروا، وارتبط بصداقة متينة مع الفنان المصري اليساري محمد هجرس، الذي كان يقيم هنا في بلدة المنارة»، يسرد محمد، ويضيف: «تأثرت بوالدي الذي شجعني. كانت تجربتي الأولى منحوتة تجريدية أنجزتها عندما كان عمري 12 عاما»، لافتاً إلى أن «مع ذلك، موهبتي ليست وليدة التلقين والتوجيه، بل هي نابعة من تجاربي في مختلف الأنماط والتقنيات، ومعرضي الفردي الأول في زحلة هو ثمرة محاولات 6 سنوات (2002 ـ 2008) في نحت الأشكال الخشبية الداكنة الغليظة التي تتطاول تدريجاً حتى تبلغ حد التألق في أشكال أنثوية من البرونز، ومن المواد الممزوجة التي تعدك بالانسيابات الأروع».
لم يتلقَّ محمد مبادئ الفنون التشكيلية في المدارس أو المعاهد المتخصصة، بل «درست لبعض الوقت في معهد الفنان أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في سوريا. ولم تتح لي أوضاع أسرتي المالية إكمال دراستي، لكنني استطعت من خلال قراءاتي المكثفة أن أتعلم ذاتياً مبادئ الفنون العامة، واستهوتني المدرسة السريالية بما فيها من عمق فلسفي تبعد الإنتاج الفني عن المألوف وتفتح آفاقاً على النحاس والخشب»، كما يشرح.
تأثر محمد صوان كثيراً بالفنان الراحل ناجي العلي. «انطلقت من قضيتي فلسطين، وكان ناجي أستاذي الأول من خلال رسومه التي قلّدتها على النحاس ومن خلال منحوتات خشبية، ومن ثم أطلقت على نفسي اسم المقاوم الصامت لكوني لا أعرف إطلاق الرصاص، فقضيتي بحاجة أيضاً إلى الفن والإبداع كي تنتصر»، كما يؤكد.
أكثر من ألف عمل لناجي العلي جسّدها محمد على النحاس والخشب. لكنه لم يلبث أن «شعرت بأن ناجي يقول لي كفى يا محمد، انطلق نحو إبداع من أفكارك الخاصة». بعدها، صار جسد المرأة هو الأكثر تجسيداً في أعماله، ولا سيما الخشبية منها.
«أركّز على المرأة لأنها رحم قضيتي بالنسبة إلي. فالأم الفلسطينية تقدم شهيداً تلو الآخر، وفلسطين الأنثى هي الجزء الآخر من قضية وطني، التي كان لا بد من تكريمها. وأترك للمشاهد أن يستقبل العمل كما يحلو له».
تواجه النحّات الفلسطيني محمد صوان عقباتٌ متنوعة ومتعددة تسهم في إحجامه عن المشاركة في بعض المعارض في «مناطق لبنانية مخملية»، يلخّصها قائلاً: «عرضت للكثير من العقبات في بعض المعارض، حيث كان البعض يرفض حتى النظر إلى منحوتاتي لأني فلسطينيّ، ولكن مع الوقت أعتقد بأن فنّي سينتصر على هذه النظرة العنصرية والفوقية لبعض اللبنانيين».