محمد زبيبفي لقاء عن الأزمة الاقتصادية نظّمته وكالة «بلومبرغ» في الأسبوع الماضي في الجامعة الأميركية في بيروت، رفض الرئيس فؤاد السنيورة الإجابة عن سؤال طرحه أحد الطلاب عن تأثير فوز «المعارضة» الحالية بالأكثرية النيابية في الانتخابات المقبلة... تجاهل السؤال كلياً، وساعده في ذلك مدير اللقاء الذي سارع إلى إعطاء الدور لطالب آخر، مشيراً إلى أن السؤال المطروح يحتاج إلى شرح مستفيض لا يتسع له الوقت المخصص، ولا سيما أن الرئيس مرتبط بانشغالات كثيرة في هذه الأيام... وقصد طبعاً انشغال السنيورة بحملته الانتخابية في صيدا ضد أسامة سعد، نجل معروف سعد الذي اغتيل في تظاهرة للصيادين الفقراء ضد شركة «بترومين»، تلك الشركة التي أنشأها الرئيس الراحل كميل شمعون بهدف السيطرة على نشاطات الصيد في لبنان وحرمان شريحة واسعة من مصدر رزقها الوحيد!
كان صاحب السؤال يعتقد أنه يمنح الرئيس السنيورة فرصة ينتظرها لشنّ الهجوم على خصومه وتحذير الناخبين من مشاريعهم «الجهنمية» التي ستقضي على الاقتصاد ومستوى معيشة المواطنين وتؤدّي إلى زيادة العجز المالي والمديونية المرهقة... لم يدرك الطالب «المتحمّس» أن سؤاله لا يُحرج أحداً، إلا السنيورة نفسه، فبماذا يمكن أن يجيب وهو الذي تولّى حقيبة وزارة المال على مدى عشرة أعوام، كان يلقّبه اللبنانيون خلالها بـ«أبو الضرائب» و«المحاسب»، قبل أن يكتشفه البعض «رجل دولة»، فولّوه على رأس الحكومتين اليتيمتين منذ الانتخابات النيابية في عام 2005، من دون أن يترك، باعترافه، أي أثر إيجابي يمكن التباهي به، فعاش الناس أربع سنوات إضافية هي الأسوأ منذ حلّ الميليشيات المتقاتلة وإشراك قادتها في السلطة واستيعاب عناصرها في المؤسسات الحكومية.
فبماذا كان السنيورة سيردّ، إنّ قرر الإجابة عن هذا السؤال؟
لا يستطيع السنيورة أن يدّعي السذاجة، كمعظم المرشحين الآن ممن سبق لهم المشاركة في مراكز القرار، فيغسل يديه من سياسات الحكومات المتعاقبة منذ عام 1992، أو يغدق الوعود على الناخبين الذين اختبروه طوال عقد ونصف عقد... فموقعه لا يسمح له بالتحذير من خطر استمرار تنامي المديونية العامّة، وقد أضافت حكومتاه إليها اكثر من 11 مليار دولار في أقل من أربع سنوات، لترتفع من 37.7 مليار دولار في نهاية عام 2005 إلى 49 مليار دولار متوقّعة في نهاية حزيران 2009 (من دون احتساب المديونية المخفيّة)، وكل ذلك من دون أن تضيفا مشروعاً واحداً ذات أهمية على البنية التحتية وأصول الدولة ومؤسساتها وخدماتها؟ لن يصدقه الناخبون إذا وعد بالتصدّي لأسباب تنامي هذه المديونية، وهو الذي يُشرف على إدارتها منذ أن كان حجمها في عام 1993 لا يتجاوز 3.6 مليارات دولار بأسعار اليوم، فهي ارتفعت بمعرفته أكثر من 45 مليار دولار من دون أن ينعم اللبنانيون بأبسط حقوقهم كالتغطية الصحية التي لا تشمل إلا نصفهم، أو التغذية الكهربائية التي لن تبلغ بعد أربع سنوات إلا ثماني ساعات في اليوم بحسب ما أورده تقرير وزير الطاقة ألان طابوريان، الذي يرفض السنيورة نفسه عرضه على مجلس الوزراء لاتخاذ الإجراءات اللازمة قبل الوصول إلى العتمة شبه التامّة؟
بماذا كان سيرد؟ هل كان سيحذّر اللبنانيين من موجة جديدة من الضرائب والرسوم تطيح ما بقي لديهم من قدرات شرائية، وهو الذي سعى في برنامج باريس 3 إلى زيادة الضريبة على القيمة المضافة لتصبح 15% وزيادة رسوم البنزين لتصبح 12 ألف ليرة على الصفيحة؟ هل يصدقه أحد إذا وعد بتحسين المداخيل وتوفير فرص العمل وتطوير التقديمات، وهو الذي جاهر بموقفه مراراً ضد تصحيح الأجور بما يتناسب مع معدّلات التضخّم، ولم يوافق في ظل الضغط على زيادة أكثر من 200 ألف ليرة مقطوعة على الأجور المتهالكة، وأوعز بعدم تسديد مستحقات الضمان الاجتماعي الذي يعاني من عجز بنيوي يهدد ديمومته، وتجاهل تنفيذ قوانين حماية المستهلك وحماية الإنتاج الوطني؟
إن منطقة صيدا حيث يترشّح الرئيس السنيورة لتمثيل «الأمّة» صُنّفت في دراسة إدارة الإحصاء المركزي عن أحوال المعيشة في سنة 2007 كثاني أدنى متوسط دخل للأسرة في لبنان (765 ألف ليرة فقط في مقابل مليون و586 ألف ليرة في بيروت مثلاً)، فما هو البرنامج الذي يمكن أن يقدّمه للناخبين هناك في مواجهة خصومه؟ لا شيء طبعاً سوى ما سبق أن قدّمه في تجربته المديدة، لذلك قد يكون السؤال الأصح هو: ماذا لو بقي السنيورة في موقعه؟ ماذا لو فاز في الانتخابات مع أكثرية من النوع نفسه؟