هل سيتمكّن علماء الفيزياء يوماً من استباق حدوث العواصف الشمسية، وتوقّعها بالدقة نفسها التي يتوقّع من خلالها علماء الأرصاد الجوية حدوث الأعاصير؟ سؤال طُرح في أروقة وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ويبدو أن الإجابة عنه قد تأتي قريباً

روني عبد النور
منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبُعيد اختراع التلغراف، سرى اعتقاد بأن الطقس الكوني يقف خلف المشاكل التي تطرأ على الأجهزة التكنولوجية الأرضية. ودُعّم هذا الاعتقاد مع مرور الوقت بإثباتات، فقد تبيّن أن الانفجارات التي تحصل داخل الغلاف الجوي الخارجي للشمس تقذف ببلايين الأطنان من البلازما في الفضاء على سرعات تصل إلى آلاف الكيلومترات في الساعة، حاملة في طياتها جزءاً من حقل الشمس المغناطيسي، ومُطلقة العنان لموجات صدمة تستطيع تسريع نشاط عدد من الجزيئات الفضائية وشحنها بمستويات عالية من الطاقة على شكل موجات كونية شمسية بالغة الأثر على المظاهر التكنولوجية الأرضية.
ومع ذلك، لم يكن في مقدور العلماء سوى تصوير العواصف أثناء حدوثها قرب الشمس، ومن ثم الانتظار إلى أن تصل إلى الأرض بعد مدة تتراوح بين ثلاثة وسبعة أيام. أما الآن فتتم الاستعانة بصور وقياسات المركبة الفضائية STEREO التابعة لناسا، وهي تساعد على قياس متناهي الدقة لحجم وسرعة ومسار وشكل الزاوية التي ترتطم من خلالها العواصف الشمسية بمدار الأرض بمقاييس ثلاثية الأبعاد، ويُجمع الخبراء على أن ثورة في مجال دراسة الفيزياء الشمسية في طريقها إلى التحقق. ففي الواقع، تقوم المركبة STEREO بالتقاط صور للانفجارات الشمسية وبإنجاز قياسات فورية لحقولها المغناطيسية منذ لحظة حدوثها على سطح الشمس حتى وصول تأثير موجاتها الضاغطة إلى سطح الأرض، الأمر الذي يجعل مشغّلي الأقمار الاصطناعية وشركات التزوّد بالكهرباء يغتنمون الوقت للاستعداد لمواجهة هذه العواصف.
وتتألف STEREO من مرصدين متطابقين يقومان بمراقبة العواصف الشمسية من موقعين فضائيين مختلفين. وفيما يتقدّم المرصد الأول الأرض في مدارها حول الشمس، يتذيّل الثاني مسار الكوكب. الموقعان يوفّران إمكان مراقبة العواصف خلال تجوالها في الفضاء، وفور وصول هذه الأخيرة إلى مدار الكوكب، تبدأ أجهزة التحسس في الأقمار الاصطناعية بإجراء مقارنة بين ما تمّت مشاهدته عن بعد وما يجري حقيقة أثناء الانفجارات وما يعقبها.
علاوة على ذلك، تقدّم القياسات فهماً أعمق وأشمل لآلية عمل العواصف الشمسية، الأمر الذي يُعتبر خطوة غير مسبوقة لناحية توقّع أثرها على الأرض. في هذا الإطار، يقول أنجيلوس فورليداس، عالم الفيزياء في مختبر الأبحاث البحرية في واشنطن، إن من شأن المعلومات الجديدة أن تُشكّل نقلة نوعية في مجال دراسة أنماط الطقس الكوني، إذ بات في استطاعة العلماء إعادة تركيب الصور بأبعادها الثلاثة وتحليلها على مستوى عالٍ من الدقة بفضل الزاوية التي تفصل بين وضعية المرصدين. ويضيف أن التجربة تزيل الغبار عن خفايا الهيكلية الداخلية للعواصف وطريقة تشكّلها، وتؤدي بالتالي إلى تحديد مستوى الطاقة الذي تطلقه داخل الحقل المغناطيسي للأرض الذي هو بمثابة الدرع الواقي للكوكب.
لكن، كيف يتجلّى أثر الانفجارات الشمسية على التكنولوجيا الأرضية؟



تسبب العواصف اضطرابات في الفضاء الذي يقع تحت تأثير حقل الأرض المغناطيسي، يمكن ملاحظتها عن طريق الأضواء الملوّنة التي تُسمّى الشفق القطبي أو الأضواء الشمالية والجنوبية. وفيما هذه الأضواء بحد ذاتها لا تسبّب أي ضرر، إلا أنها تبعث بإشارات على أن الجزء الأعلى من الغلاف الجوي للأرض وغلافها الأيوني يشهدان كمّاً من الاضطرابات الحادة. وقد توصّل العلماء إلى أن العواصف الشمسية تتداخل مع موجات الاتصال التي تربط بين المحطات الأرضية وكل من الأقمار الاصطناعية وحركة الملاحة الجوية للطائرات التي تحلّق فوق قطبي الأرض الشمالي والجنوبي ورواد الفضاء. إضافة إلى ذلك، يمكن ضجيج موجات الراديو الصادر عن العواصف أن يعطّل خدمات الهواتف الخلوية. ومن ناحية أخرى، تشوّش الاضطرابات الحاصلة في الغلاف الأيوني للأرض على أداء أنظمة الـGPS، كما أنها تُحدث في بعض الحالات خللاً في التيارات الكهربائية في أسلاك التوصيل وفي محطات التحويل، ما يؤدّي إلى قطع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة دفعة واحدة. تجدر الإشارة إلى أنه جرى إطلاق المركبة STEREO إلى مدار الأرض حول الشمس في شهر تشرين الأول 2006، وذلك كجزء من المهمة الثالثة لبرنامج البحوث الأرضية ـــــ الشمسية. ويهدف البرنامج إلى فهم أسس العمليات الفيزيائية التي تحدث في البيئة الفضائية المحيطة بالشمس والأرض وبقية الكواكب، وكيفية تأثّر المجتمع والأنظمة التكنولوجية وقابلية الكواكب لتكون مأهولة بالسكان بالعمليات الشمسية. ويُنتظر من النتائج تحليل ظروف الديناميكيات الفضائية المعقّدة بغية تطوير تكنولوجيات جديدة تحفز مستوى السلامة والإنتاجية في ما يتعلق بالنشاط البشري والروبوتي المرتبط بسبر أغوار الفضاء.