بعيداً من «الشحن» الانتخابي في الوطن الطارد، ينهمك المغتربون الشباب في الإمارات بتأمين مستقبلهم، غير آملين شيئاً من التغيير الموعود، باستثاء قلة منهم قررت أن تمارس حقها في التصويت
دبي ـــ ملاك وليد خالد
«لا، طبعاً، خلي الواحد يعمل شي ينفعو بلا هالحكي الفاضي». هكذا تجيب دينا لدى سؤالها إذا كانت ستؤقت الإجازة الصيفية مع موعد الانتخابات النيابية في 7 حزيران.
إجابتها تفتح باباً للسؤال عن رأيها في الانتخابات التي يحكى عن مصيريتها: «كل مرة بيقولو نفس الحكي، وبالآخر بيرجعو نفس الوجوه ع شو الواحد يحرق أعصابه ويفكر انو قادر يعمل شي تغيير؟ يعني صوتي هو اللي رح يأثر؟».
لا يأتي رد دينا من منطلق بعيد من الذي يستند إليه علي، الذي يعمل في قطاع الإعلام «في منطقتنا محسومة، وصوتي لن يؤخر أو يقدم، أفضل أن آخذ عطلتي لأريح أعصابي لا كي أوتّرها بالانتخابات والسياسة البلا فائدة». أما بخصوص حق الانتخاب للمغتربين، فيجيب: «لتكن الانتخابات منطقية للمقيمين في لبنان أولاً». بالنسبة إلى لوسي، معلمة، «حتى لو جابولي الصندوق ع بيتي وأنا بتختي هون بدبي، مش رح إنتخب، ببرم ضهري وبكفي نومتي، أصلاً النوم أفيد لي». هذا الرد اللامبالي يكاد ينسحب على كل من استُطلعت آراؤهم في دبي.
يضحك بهاء، الذي يعمل في حقل المبيعات، للفكرة من أساسها «النتيجة معروفة سلفاً مهما تكن حصص من يحسبون معارضة أو موالاة، فالجميع سيحافظ على صيغة تحتوي الأزمة ولا تحلها. الانتخابات ليست المحك، مرت قبلها محكات كثيرة كان يمكن فيها أن يُحسم مصير البلد، لكن لبنان قائم على توازن دقيق، كلما عجز المعنيون عن احتوائه تفجر بحرب تفضي مجدداً إلى صيغة اللاغالب ولامغلوب نفسها». اكتفى أحد المُستطلعة آراؤهم بالتعريف عن نفسه بـ»معتزِل العمل العام»، مؤكداً أن مقاطعته للانتخابات لا علاقة لها بوجوده داخل لبنان أو خارجه: «خياراتنا قليلة وسيصوت الناس بما يشبه التزكية، لأنه ليس لديهم رأي فعلاً في اختيار المرشحين. في النهاية كما تكونون يولى عليكم. ألوم الساسة ولكني ألوم الناس أكثر لأنهم لا ينتفضون في مواجهة هذه المصادرة لقرارهم. وفي النهاية، سنرى الأشخاص الذين همّشوا الناس متأنقين ببدلاتهم الثمينة تحت قبة البرلمان».
يضيف المعتزل الساخط: «صار العمل السياسي الذي يطرقه البعض من باب البرلمان مرادفاً للانتماء إلى طبقة برجوازية تعمل على تضخيم نفسها وأهميتها عبر خلق حاشية منتفعين من المال العام. فالبرامج منذ 30 أو 40 سنة ما زالت هي هي، المضمون ذاته مع تبدل وجوه نعرفها ونعرف ماضيها وخلفيتها».
نسأله إذا ما كان يدعو للمقاطعة بديلاً، فيجيب: «لا طبعاً. قد أنتخب من أراه نظيفاً. وقد لا يفوز، لكنني بذلك أكون قد مارست حقي في التصويت ضمن عملية ديموقراطية، أتمنى أن تُمارس بمضمونها الحقيقي في لبنان ذات يوم، ربما على زمن أولادي، فاليوم، هي مفرغة المعنى، فلماذا اهتم؟».
المهتمون قلة فعلاً. على طاولة واحدة خلال حضور مباراة كرة قدم أدلى مجموعة من الأصدقاء بآراء متضاربة عن الموضوع دون أن يُفسد ذلك للود بينهم قضية.
تعلن زينة، وهي مصرفية، أنها هربت من لبنان «بسبب هالسياسيين، بدك اياني انزل جددلهم؟». وتضيف «تصوري: أنا وعائلتي مع المقاومة، ولكننا في منطقة لا يمكن أن نعطيها أصواتنا في هذا السياق، يعتبر محك تغيير القانون الانتخابي أساسياً بالنسبة إلى المقاومة. حين يصير في لبنان قانون انتخابات يمثل كل الناس، حينها سأعمل بدون أجر في الماكينة الانتخابية للمقاومة».
في المقلب الآخر، كان وليد يتمنى لو يستطيع الذهاب ليصوّت للقرار الحر ولمن يحب حياة لبنان برخاء وسيادة، ولكن عمله هنا لا يسمح بالإجازة. لا تعليقات لديه على قانون الانتخاب ولا على المرشحين وخلفياتهم. «بدنا نفرجي العالم انو قرارنا حر ومنعرف نتعامل مع بعض بانفتاح مش بإقصائية وإلغاء للآخر زي اللي عملو المقاومة ماركة حصرية لطائفة معينة عوضاً عن وضعها بيد الجيش».
سامر مشغول أيضاً بموضوع الانتخابات، لكنه يتمنى لو بإمكان المغتربين الانتخاب عبر قانون نسبي «مش معقول العراق، اللي تحت الاحتلال يصوتوا فيه المغتربين ونحن لا، ومش معقول فلسطين تحت الاحتلال انعملت فيها انتخابات بقانون نسبي ونحنا بعدنا منقول محدلة وزي ما هي».
وحدها جمال، التي سمّاها والداها تيمناً بعبد الناصر، ستقصد لبنان على حسابها الخاص. «أعرف أن الموضوع محسوم في منطقتي، لكني سأضع صوتي العلماني اختياراً واللاشيعي بالولادة في جيب المقاومة لأقول لجميع من هم ضد المقاومة في لبنان والعالم إننا لا نقبض ثمناً لولائنا لمن هزم الصهاينة». تقول إنها لم تنتخب قبلاً، ولكنها ستفعلها اليوم رغم رفضها قانون الانتخاب،
ومع استثنائها بعض حلفاء المقاومة ممن لن تنسى لهم تاريخهم الملطخ بدم لبنانيين وفلسطينين «لا تاريخ من يريدون سحب سلاح المقاومة ولا تاريخ من مصلحتهم معها اليوم ويريدون تلميع صورتهم على ظهرها. وبالنسبة للمقاومة فهي مطالبة بتطبيق برنامجها الانتخابي لتبقى على مستوى تطلعات الناس المؤمنين بها، وإلا فستكون هذه هي المرة اليتيمة لمشاركتي في المهزلة المدعوة ديموقراطية». ما إن تبدأ حماوة التعلقيات بالسخونة، حتى تضرب زينة كفاً بكف مع جمال مردفة «قوية يا رفيقة»، بينما يبتسم وليد بمرارة قبل أن يغلق سامر باب النقاش قائلاً: «يا شباب بلّش الماتش، خلونا نركز على شي مفيد».


مطرح ما بترزق إلزق

«هناك جماعة عرضوا يدفعولي التكت لانزل، بس ما بدّي»، تقول نادين. «يا أختي أنا بحب أنتخب حدا مقتنعة فيه، ما في حدا بيقنعني بلبنان». كما رفضت تانيا العرض ذاته الذي قدمه لها ابن عمها الاشتراكي لأن «لشو اتكركب بالمطارات. وبما انو ضامنينها، ع شو فت المصاري؟ أحسن يعمروا البلد. دبي بلدي هلق ومطرح ما بترزق إلزق. لبنان مش رزقة إلا بالانتخابات، يا ريتو كل يوم، ما كنت بتركه وبحلف ما ارجع».