وائل يحيىيمرّ الشعب الفلسطيني بأحلك أيامه، وأشقاؤه العرب إمّا نيام أو يتآمرون عليه. فبدل أن تساعد مصر الشعب الفلسطيني في مأساته المتواصلة تصاعدياً، افتعلت أزمة أخرى مع المقاومة اللبنانية لوقف أي مساعدة للفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى لإبعاد الأنظار عمّا يحصل في القدس من تهويد للمدينة وتهجير لما بقي من الشعب الفلسطيني في عاصمته ونهب للمقدسات. لقد افتعل النظام المصري هذه الأزمة كي يدفع بلبنان إلى أزمة داخلية قبل الانتخابات النيابية، وكي يؤثر بالسلم الأهلي. لهذا فقد قابل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان سفير النظام المصري وسلّمه رسالة موجهة لرئيس النظام حسني مبارك، حيث أكد فيها أن «المسلمين الشيعة في لبنان عرب لا يتخلون عن عروبتهم». لقد كانت الرسالة في غير محلها، لأن رئيس النظام المصري لا يمثل العروبة. هل من الواجب على الشيعي اللبناني أن يفحص دمه إن كان عربياً أم فارسياً، كي يُرضي البعض؟ هذا الدم يكون عربياً بمقدار مساعدة الأشقاء الفلسطينيين ضد أعداء الأمة العربية والإنسانية جمعاء. إن النظام المصري «الديموقراطي» بنسبة 99،99 في المئة كمعظم الأنظمة العربية يبيع مصر وشعبه بأبخس الأثمان. شعب بأكمله فقير ومع كل هذا يبيعون المتر المكعب من الغاز بسعر دولارين للعدو الصهيوني، بينما سعره في السوق العالمية يبلغ 12 دولاراً. اقتصادياً العدو الصهيوني متغلغل في السوق المصرية، ففي كل سلعة تصنَّع في مصر وتصدّر للخارج هناك نسبة 12 في المئة مواد إسرائيلية كجزء من اتفاقية «الكويز» بين مصر والولايات المتحدة الأميركية والدولة العبرية. في فلسطين المحتلة أكثر من 11000 أسير لا يهتم النظام المصري «العروبي» لأمرهم، وكل ما يهمه هو الأسير الصهيوني جلعاد شاليط، ولأجله يصلون الليل بالنهار ليجدوا حلاً كي يفرج عنه. حكام هذا النظام أفرجوا منذ فترة غير قصيرة عن العميل الصهيوني عزام عزام من دون مقابل يذكر. أين كانت السيادة والكرامة المصرية حين أفرجوا عنه؟
لقد أدهش رأس الهرم المصري الصهاينة أنفسهم لهذه الحملة الشعواء ضد تنظيم عربي مقاوم. وتكلم عن مسّ سيادة دولته من المقاومين المتهمين بمد غزة بالعتاد. يا له من جرم كبير. عزام عزام الجاسوس الصهيوني الذي قبض عليه متلبساً بتجسسه على مصر نفسها لم تصل الحملة عليه وعلى الدولة العبرية كما هي الآن ضد المقاومة. الأوقح في كل تلك الحملة هو مشاركة عميد وضابط إشراف صهيونيَّين في التحقيق مع ما يعرف بخلية «حزب الله ـــــ مصر» كما أشارت مصادر دبلوماسية في القدس، والتنسيق بين النظام المصري والكيان الغاصب على أشده لضرب حركات المقاومة في المنطقة. آخر الرسائل التي وردت من القاهرة تؤكد تطاول النظام المصري على المقاومة بالتركيز على أن إقفال ملف الأزمة هو رهن إعلان رسمي إيراني ومثبت من حزب الله بوقف أعمال الدعم العسكري لقطاع غزة عبر الأراضي المصرية. إن دولة الـ70 مليون نسمة (ضحية) صاحبة الأزمة المفتعلة أغضبها وجود شرفاء يعملون ليل نهار لأجل نصرة فلسطين ضد عدو غاشم من أراضيها بالذات، فقامت قيامتها وحاولت استغلالها للتأثير في الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة، ولكن كما قال رئيس الوزراء الأسبق سليم الحص: «التهمة بإمداد هذا الشعب المناضل والبائس هي مفخرة للذين أُلحقت بهم». أحد ردود الفعل في الداخل اللبناني التي ينتظرها النظام المصري جاءت من نائب القوات اللبنانية أنطوان زهرا، أحد المشرفين قديماً على «حاجز البربارة»، وما أدراك ما البربارة، الذي شكا من المقاومة هنا في لبنان كما يشكو النظام المصري منها. استوقفني بهذا الموضوع كلام لوزير العدل إبراهيم نجار ممثل القوات اللبنانية في الحكومة والذي قال: «القانون المطبّق على مثل هذه الحالة هو القانون المصري حتى ولو كان المجرم لبنانياً، وإن المحاكم اللبنانية باستطاعتها ملاحقة أي لبناني يرتكب جرماً على أراضٍ أجنبية».
أودّ تذكير الوزير نجار بالتاريخ الأسود للحزب الذي يمثّل، من مذابح «السبت الأسود» إلى مذابح النبعة والكرنتينا وتل الزعتر، وصولاً إلى صبرا وشاتيلا، حيث فتكوا بالضحايا من أطفال ونساء وشيوخ بدم بارد، مع التذكير بأن المقاتلين الفلسطينيين كانوا قد غادروا لبنان بحراً. أيضاً أود أن أذكّر الوزير بأن مقاتلي «القوات» الذين يمثلهم جاؤوا على ظهر الدبابات العدوّة في اجتياح 1982 وحاصروا بيروت الوطنية على مدى ثلاثة أشهر، ولم يسمحوا بنقطة حليب للأطفال أن تمرّ. أيضاً أود أن أذكّر بأن عملاء «جيش لبنان الجنوبي» هم المجرمون وكان الأجدر بالدولة اللبنانية أن تعلّق مشانقهم، لا أن تحاكمهم صوَرياً ومن ثم تفرج عنهم بحجة الخوف على السلم الأهلي. ما زلنا حتى الآن نسمع عن القبض على خلايا تابعة للعدو الصهيوني، وكان آخرها منذ أيام العميد المتقاعد أديب ع. وزوجته، وهذا كله بسبب هذه السياسة الرعناء.
أخيراً، أضعُ حملة رئيس النظام المصري في خانة مجموعة مؤلفة من 30 صهيونياً كانت قد رفعت دعوى قضائية أمام المحكمة المركزية في واشنطن ضد كوريا الشمالية وحزب الله، ادّعت خلالها أن كوريا قدمت مساعدات عسكرية للحزب، بينها بناء الملاجئ المحصّنة وتزويده بالأسلحة قبل عدوان تموز 2006. وطالب الموقعون وكلهم من حَمَلة الجنسية الأميركية بتعويض قدره 10 ملايين دولار لتعرّضهم لصواريخ الكاتيوشا. والسبب الأهم لهذه الدعوة هو أن منشأة حزب الله المبنية تحت الأرض أدت إلى تحسين قدرته على القتال ضد عدوه خلال عدوان تموز 2006.