الحضانة ليست فقط مؤسسة تستعين بها الأمهات العاملات، يتركن فيها أطفالهن حتى تنتهي ساعات الدوام. للحضانة وظيفة مهمة، تشارك في تطوير حواسّ الطفل وتعلمه الاندماج مع مجموعة كبيرة. في هذا التحقيق تركيز على الدور الذي يجدر بهذه المؤسسة أن تضطلع به، وتركيز على أهميتها في سياق تربية الطفل صاحب الشخصية المستقلة، حتى تكاد الحضانة تكون محطة ضرورية قبل دخول الطفل إلى المدرسة

سناء صفوان
«أدخلتُ سارة (3 أعوام) إلى الحضانة قبل ستة أشهر، من قبل كنت أتركها عند والدتي. فكانت تقلب منزلها رأساً على عقب، وعند عودتها إلى المنزل كانت تستكمل نشاطاتها التخريبية، وتسهر حتى وقت متأخر من الليل تلعب أو تشاهد التلفاز. وعندما كانت تأكل وحدها، كانت تلطّخ يديها ووجهها وثيابها بالطعام»، لكنّ الطفلة تغيرت وفق ما تروي أمها فادية، «فتغير كبير طرأ على سلوكها، إذ أصبحت هادئة. وأعرف أنها تستنفد كل طاقتها هناك باللعب واللهو والتعلم في الحضانة، صارت تنام باكراً من دون أن أطلب منها القيام بذلك. تدخل إلى الحمام وحدها، تعلمت خلع سروالها وإعادة ارتدائه بنفسها، تقف أمام المرآة وتسرّح شعرها، تأكل طعامها بنظام ثم تغسل يديها. إضافة إلى أنها تعلمت التمييز بين الألوان وحفظت أسماء أنواع من الفاكهة، ولم تعد تتلفظ بالكلمات البذيئة التي كان يرددها الناس من حولها، وإذا ما طلبت منها طلباً تلبيه على الفور». تقول الدكتورة فادية حطيط (باحثة وأستاذة في كلية التربية في الجامعة اللبنانية) إن الحضانة تخلق نظاماً وروتيناً، فهي تحدد للطفل ماذا يجب أن يفعل وفي أي وقت، وهذا الروتين اليومي والتنظيم من العوامل التي تريح الأطفال، لأنها تنظّم أوقاتهم وتجعلهم يتآلفون مع الأشياء من حولهم ويشعرون بالأمان. وتشدد حطيط على أن الحضانة تؤدي دوراً في مجال التنشئة الاجتماعية، وتشارك الأسرة في تعليم الطفل التمييز بين الصح والخطأ، وإن كانت الأسرة تحتفظ بالدور الأكبر في هذا المجال، وذلك من خلال إعطاء التوجيهات للولد.
هادي (3 أعوام) يتردد على الحضانة منذ عام، وصار يحب أقرانه، فيما كان يظهر غيرة من الأطفال سابقاً. والدة هادي استقالت من عملها في التعليم عند ولادته لتتفرغ لتربيته، فقد كان يعذبها كثيراً، وكان يبكي دائماً.
العاملون في الحضانة اشتكوا بداية من تصرفات هادي، ومن بكائه المستمر، المديرة أخبرت والدته أنها لم تعد ترغب في حضوره لأنه يزعج بقية الأطفال. وبعد أشهر بدأت والدته تلاحظ تغيرات مهمة في شخصيته. كره ألعابه التي كانت تتألف من السيارات والأسلحة، وصار يطلب العاباً يلعب بها في الحضانة مثل لعبة الكومبيوتر التي تتضمن صور حيوانات وتصدر أصواتاً، وحفظ أسماءها.
هل ثمة ألعاب معينة يجب أن تتوافر في دور الحضانة؟ وما هي الألعاب المخصصة لكل فئة عمرية؟ تجيب حطيط بالقول: «من عمر 6 أشهر حتى عامين، الألعاب الأساسية للأطفال هي الألعاب التي تمرّن الحواس، انطلاقاً من ذلك يلعب الأطفال في ما بعد بألعاب تصدر أصواتاً أو تحتوي على صور أو تطوّر حس الملاحظة عند الطفل. الألعاب المخصصة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين ونصف وأربعة أعوام، هي الألعاب الجماعية والألعاب التي تمرن الذهن وتساعد الطفل على ربط الأشياء ببعضها. وهذا النوع من الألعاب يتعدى تنمية الحواس ليربط بينها حتى التوصل إلى القدرة على الاستنتاج».
تشدد حطيط على أنه «يجب تقسيم الأطفال إلى جماعات حسب الفئة العمرية التي ينتمون إليها، ويجب التعامل مع كل طفل على حدة. فحاجات الطفل الذي يبلغ من العمر ستة أشهر ومتطلباته (من حيث والوقت المخصص لرعايته وطعامه وأوقات نومه) تختلف تماماً عن حاجات طفل عمره عامين».
عدنان (4 أعوام) كان يحب العزلة ويكره الاختلاط بالناس ويفتقر إلى الثقة بنفسه، اليوم الأول في المدرسة بالنسبة إليه كان «جحيماً»، خاف من الأطفال والمعلمات من حوله، ووصل به الأمر إلى أن شعر بأوجاع مختلفة لأسابيع «عرض عليّ أحد الأطباء إدخاله إلى الحضانة حيث عدد الأولاد فيها والمعلمات أقل بكثير من المدرسة» تقول والدته، وتضيف: «عملت بالنصيحة، يوماً بعد يوم صار عدنان يتأقلم مع الأولاد والمربية، وراح يسألني يومياً متى سيذهب إلى المدرسة. صار ولداً نشيطاً يطرح العديد من الأسئلة».
عدنان يلفت إلى دور الحضانة في مجال الاندماج الاجتماعي، وتقول حطيط: «الاندماج الاجتماعي وظيفة مهمة تعنى بها الحضانة، لأن هناك وظائف أخرى تتولاها العائلة. الوجود ضمن جماعة حيث عدد من الأولاد. فالأسر صارت قليلة العدد من حيث أفرادها، وقد يكون الولد وحيداً بسبب وجود إخوته في المدرسة وشغل والدته، والعلاقات الاجتماعية داخل المنزل تقلصت، من هنا يأتي هذا الدور الأساسي للحضانة لأنها تتيح فرصة الاختلاط والتفاعل مع أولاد آخرين وتعلمهم على القواعد الاجتماعية. وتبرز أهمية هذا الدور بعد عمر العامين ».


التفاعل ومجاورة الكتب

تشدد فادية حطيط على أن الطفل في الحضانة يتمتع بفرص التفاعل والكلام والاحتكاك بالأشياء ومع الأولاد خاصة، والمربيات المتدربات، ما يخلق جواً من التفاعل والحوار وينمّي القدرة على الانتباه والمراقبة عند الطفل، وهذه أمور تساعده على التعلم وتنمية مهاراته.
إن العلاقة بين الطفل ومربيته تخلق تفاعلاً ذهنياً ولغوياً. «يُرحب بوجود الحرف المطبوع في الحضانة ينظر إليه الطفل أو يلعب به، ويُرحب بوجود القصص والصور التي تحتوي على كلمات، لكن من دون أن يكون لها أي هدف تعليمي» تقول حطيط، مؤكدة أنّ من غير المفيد أن تعلم الحضانة الأحرف للطفل وتفترض أن يقرأ ويكتب بناءً عليها، بل المطلوب أن يتآلف الولد مع هذه الأحرف ويتعلم كيف يقرأ الصورة ويجيد إمساك الكتاب والنظر إليه